ما الذي يعنينا من الصورة الفوتوغرافيَّة؟

ثقافة 2024/12/31
...


 خضير الزيدي 

في كل المحاولات الفنية سواء للرعيل الأول من الفوتوغرافيين أو الأجيال التي تلتهم كانت النظرة إلى العمل الفني تأخذ أكثر من خاصية توجيه واهتمام، وهذا يعكس مدى احترامهم لمنتجهم الإبداعي والمحايدة في نقل تفاصيل الحياة اليومية. واعتقد أن التعامل مع "الكاميرا" يختلف تماما مع تعامل الفنانين الآخرين في حقول متنوعة، مثلما يحدث مع أدوات النحت أو الرسم. ويبدو أن "الكاميرا" تمثل لهم قصة حب وانتماء لدرجة أننا نجد تماهياً وتأثيراً جانبياً في كل لقطة من دون اللجوء إلى ما يتحقق من مكاسب مادية. فالنظرة إلى الصورة الفوتوغرافية وتنفيذ التقاط لحظة معينة يتوجب الانتظار والتركيز والاعتماد على خيال يلتقط الجميل والمؤثر والممتع والجميل في العمل الفوتوغرافي. إنه لا يترك شيئاً من دون الاهتمام به، ولكن نظرة كل فنان تختلف من شخص لآخر ومن زوايا تصوير أو نظرة لمواقع فعل الإبداع. المهم هنا أن الغالب منهم ينظر إلى ما يستهويه الاكتشاف في بعد الصورة وجوانبها التعبيرية، فكيف مكنت التقنيات الحديثة للتصوير الفني التعامل والتنقل في انتاج تلك الصورة لتأتي باِحترافية وحركات لم تكن عشوائية أو مستهلكة؟ 

هناك امكانيات أتت باستثمار جمالي تحققت فيه انتقالة مهمة في العمل الفوتوغرافي معتمدا بالدرجة الأول على الفنان وشعوره بالمسؤولية في استخدامه "للكاميرا" وقد رأينا نفراً من الفنانين الفوتوغرافيين العراقيين نجحوا في تشكيل بصمة فن تتساوى في أسسه الأهمية والتنقل البنائي الذي يمثل شكلاً من المحاولات الناجحة، جاءت تلك الأهمية من خلال احباط أية محاولة بائسة للتأثير بالآخر وترك لمسات خاصة تمثله، وهو جانب مهم. أما في امكانية البناء فبدت واضحة مشاهد الاكتمال من خلال الممارسة الطويلة مع "الكاميرا" والتوافق بين الفكرة المبيتة مسبقاً ولحظة التقاط الصورة، وتناولها للحدث كما يحدث في أعمال هاتف فرحات، ومنها عمله  الجميل التي تصطف فيه مجموعة من النسوة التي لم نر منهن إلا العباءة السوداء، بينما يجلس طفل خلفهن، وكل من يتابع العمل يؤكد أن اجتهاد الفنان يمكن في توثيق حقيقة ما يصنعه الزمن من محركات لعقائد أو أحداث اجتماعية، فهل باتت الصورة الفوتوغرافية حكاية اجتماعية لها موقف معين مما يخرج عن المألوف؟ وما الذي يعيننا من ذلك؟  

قد لا نختلف في الرأي إذا قلن أن الصورة باتت مصدر جذب لما تحمله من صدق في التصوير والتوثيق معا، فهناك دائما متعة بالقدرات التي أسست لإنتاج الصورة، فهي حاضرة في مرجعية التوثيق، وبقدر ما نخضع لها نفسياً، فإنها تحضر معنا في الخيال والتذكير. وأضرب هنا مثلاً حيا ما انجزه الفنان حسين المليجي حينما وثق صوراً لكبار السن أو لأطفال من البادية مع جنود الاحتلال، فعلى العكس مما ذهب به هاتف فرحان في عمله أعلاه أخذ حسين المليجي أن يضع أقدام الجندي الامريكي في الواجهة، ويولي لها اهتماما من التركيز بينما الطفل العراقي بزيه التقليدي أكثر حضوراً أمام "الكاميرا". وهذه الالتقاطة هي في الأساس استثمار لحدث تاريخي تبلورت عبره الكثير من الأحداث الجانبية والممارسات حتى تلك التي كانت خارجة  عن إرادتنا جميعا. لا اختلاف في القول بأن العمل الفوتوغرافي ينطوي على الاهتمام باليوميات والجوانب الإنسانية أو بما تعلق بموقف معين إن الذي يعنينا دائما هو صدقها في بيان رسالتها التعبيرية، لنقل أنها بيان لحضورنا وتوثيق أو سرد ضرورة بقائنا على الأرض، ولنتذكر ما فعله المبدع الراحل جاسم الزبيدي في إحدى دول العالم حينما وثق النسوة من الأمهات مع أطفالهن، وكيف كانت الوجوه تعلوها الدهشة والفقر والمرض، فهناك الحياة ببساطتها، وهناك صورة لنقل المأساة، فالصورة لا تعني شواهد خيالية.. إنها الحياة التي نخضع لموضوعاتها ومنها الفقر والتشرد والحرمان. 

لقد باتت تلك الصور التي أنجزها لنا الراحل الزبيدي أكثر شاهداً على رصانة حسه الإنساني، وأيضا عرفنا مدى خبرته بما تنعكس فيه زوايا الصورة التي يريد لها أن تبقى في ذاكرة الجميع.. جل ما يعنينا من الصورة الفوتوغرافية اللجوء إلى ذواتنا ومعرفة الزمن والمكان وما يتغير فيهما من تنظيم، وأيضا هناك في الجانب الآخر ما نستلهمه من تأصيل التجربة 

الفنية.