حاوره: جون سيلف
ترجمة: رُؤى زهير شكر
تزامنا مع نشر روايته الجديدة، يناقش المؤلف الشهير موراكامي التعقيد وكتابة الشخصيات النسائية ومقابلة معجبيه.
*"المدينة وجدرانها غير المؤكدة" رواية مبنية على رواية قصيرة قد كتبتها في عام 1980. لماذا كان من المهم أن تمنحها جمهورا جديدا الآن؟
- هذا العمل هو الوحيد الذي كتبته ولم أسمح أبدًا بإعادة طباعته بشكل كتاب، أو لنقل بعبارةٍ أخرى، انني لم أكن راضيا تمام الرضا عن القصة، كما اعتقدت أن موضوعها مهم جداً، ولكن لسوء الحظ كنت افتقر إلى مهارات الكتابة في ذلك الوقت لأنقلها بالطريقة التي كنت اتمنى، لذلك كنت بانتظار الوقت المناسب لاكتساب مجموعة المهارات اللازمة ككاتب، وبعد ذلك فقط قمت بإعادة كتابة القصة بالكامل.
لكن في غضون ذلك، كان لديّ الكثير الأعمال الأخرى للقيام بها، ولم أتمكن من البدء في هذا المشروع. الشيء الآخر الذي ادركته هو أن 40 عاماً مرت (برمشةٍ عين، على ما يبدو)، إلى أن وصلت إلى السبعينيات من عمري. اعتقدت أنه من الأفضل أن أبدأ بها لأنني أريد حقاً القيام بذلك، حيث قد لا يتبقى لديّ الكثير من الوقت. كما شعرت أيضا بحاجة قوية للوفاء بمسؤولياتي كروائي.
(أنا ممتن لأن العديد من الأشخاص، وهو عدد لم أتوقعه أبدًا، يقرؤون كتبي - ليس جميع الروائيين محظوظين مثلي).
* لقد كتبت الكتاب أثناء فترة الاغلاق "الحظر"، ونادرا ما غادرت منزلك أثناء القيام بذلك. هل أثرت طريقة الكتابة هذه على اسلوب الرواية أو محتواها؟
- بالتأكيد، عندما كنت أكتب هذه الرواية، كنت بحاجة إلى قدر معين من السلام والهدوء، والوقت للتأمل في الأشياء. كان وضع المدينة المحاطة بالأسوار أيضا استعارةً للاغلاق العالمي. كيف يمكن للمرء أن يتعايش مع العزلة الشديدة وبين مشاعر التعاطف الدافئة؟ كان هذا أحد السمات الرئيسية لهذه الرواية، وبهذا المعنى فهي قفزة كبيرة إلى الأمام مقارنة بالرواية القصيرة الأصلية.
* لقد حير هذا الكتاب بعض القراء اليابانيين. فيما يرى آخرون أن الغرابة والعناصر السريالية هي من أعظم متع رواياتك. هل تحب أن تترك القراء مع أسئلة لم تتم الإجابة عليها؟
- اعتقد أن الرواية المتميزة تهدف دائما إلى طرح بعض الأسئلة المقنعة - ولكن ليس تقديم خاتمة واضحة ومباشرة، لذا أود أن أترك لقرائي- بعد الانتهاء من كتبي- شيئا ما ليفكروا فيه، ما هي النهايات المحتملة هنا؟ كما انني أسقط بعض التلميحات داخل كل قصة لتركهم يفكرون. ما أود أن يفعله القراء اِلتقاط هذه التلميحات ليصل كل منهم إلى نهايته الفريدة.
فيما كتب لي عدد لا يحصى من القراء قائلين: "لقد استمتعت بقراءة نفس كتابك مرات عديدة". كمؤلف، لا شيء يمكن أن يرضيني أكثر.
لقد كتبَ لي عدد لا يحصى من القراء قائلين: "لقد استمتعت بقراءة نفس كتابك مرات عديدة". وبصفتي المؤلف، لا شيء يمكن أن يرضيني أكثر من ذلك.
*عندما تكتب عن شخصية مثل الراوي في رواية المدينة...، أو تورو في رواية مذكرات الطائر الزنبركي، أو كافكا في رواية كافكا على الشاطئ، إلى أي مدى تكتب عن نفسك؟
- إن أبطال رواياتي من منظور الشخص الأول حقيقةً ليسوا أنا، بل أنا الذي كان من الممكن أن أكونه. ومن الرائع أن أسعى وراء هذه الاحتمالات، حيث لا توجد الكثير من الفرص لكي تكون شخصا آخر غيرك.
*من بين العديد من الكتاب الناطقين باللغة الإنجليزية الذين ترجمت أعمالهم إلى اليابانية، بما في ذلك سالينجر، وفيتزجيرالد، وتشاندلر، وكارفر، وكابوت، من منهم يعني لك أكثر؟
- لقد تأثرت بكل كاتب منهم وأنا منجذب جدا إلى أسلوب الكتابة الرائع والمشرق الذي يتبناه فيتزجيرالد وكابوتي، رغم اختلافه التام عن أسلوبي. كما أنني شخصيا مولعٌ جدا بأسلوب تشاندلر.
*كيف تغير المشهد الأدبي الياباني منذ بدأت الكتابة والنشر قبل أكثر من 40 عامًا، وهل تشعر أنك جزء من هذا المشهد أم خارجه؟
- أعتقد أن الكُتاب الأصغر سنا في الوقت الحاضر قد وضعوا جانباً أية أفكار تتعلق" بما يُمثله الأدب" ويكتبون الادب القصصي بنهجٍ يُعد هو أكثر حريةً ومرونةً. وهذا ما أُشيدُ به حتما. في حالتي، انا مستمرٌ بالعمل بطريقتي الخاصة، ولا استطيع أن أقول ما هي العلاقة التي قد تكون لديّ مع مُتغيرات المشهد الأدبي.
* ما هي التغييرات التي طرأت في قرائك، سواء داخل اليابان أو على المستوى الدولي، وهل تُصبح الكتابة أسهل أو أصعب مع استمرارك بالكتابة؟
- يبدو أن عدد قرائي في جميع أنحاء العالم بارتفاعٍ مستمر سواء في اليابان أو في الخارج، وغالبا ما أجد أن الأرقام مذهلة. في مدينة لاوس أوقفني قارئ تايلاندي ليقول لي مرحبا، وفي دريسدن كان قارئ من ألبانيا، وفي طوكيو كان هناك قارئ إندونيسي. غالبًا ما أشعر أن ذاتي ليست حقيقيةً، بل تحولت إلى نوع من الأشخاص الخياليين...
لكن كل هذا لم يجعل كتابة الروايات أسهل أو أصعب. أنا ممتن ببساطة لأن العديد من الأشخاص، وهو عدد لم أتوقعه أبداً، يقرؤون كتبي، فليس الجميع محظوظين مثلي.
*تمثل الروايات اليابانية الآن ربع جميع الروايات المترجمة المباعة في بريطانيا. لماذا تعتقد أنها تتمتع بهذه الجاذبية الواسعة؟
- لم أكن أعلم أن الروايات اليابانية تحظى بشعبية كبيرة في بريطانيا. لا أعلم سببها؟ ليس لدي أي فكرة. إن الاقتصاد الياباني لا يسير على ما يرام هذه الأيام، وأعتقد أنه من الجيد أن تسهم هذه الصادرات الثقافية بشكلٍ او بآخرٍ فيه، على الرغم من أن الصادرات الأدبية ضعيفةً، أليس كذلك؟
*هل كان لانتقادات ميكو كاواكامي للنساء في كتبك، التي كتبتها في عام 2017، أي تأثير على كيفية كتابتك للشخصيات النسائية؟
- لقد تعرضت كتبي لانتقادات كثيرة على مر السنين لدرجةٍ أنني لا أتذكرُ السياق الذي وُجِّهت فيه الانتقادات. كما أنني لا أهتم كثيرا بذلك.
ميكو صديقة مقربة وامرأة ذكية، لذا أنا متأكد من أن أي انتقاد وجهته كان في محله. لكن بصراحة، لا أتذكر بالضبط ما انتقدته. ولكن إذا تحدثنا عن النساء وأعمالي، فإن قرائي منقسمون بشكلٍ متساوٍ تقريبا بين الرجال والنساء، وهذه حقيقة تجعلني سعيدا..
عن الغارديان