عمار بن حاتم: من النور إلى النور

ثقافة 2025/01/05
...


 بغداد: نوارة محمد

حرص التشكيلي والشاعر عمار بن حاتم على تجسيد ما فعلته حرب "داعش" الإرهابية في مدينة الموصل وموضوعات أخرى عبر معرضه الشخصي الأخير الذي أقيم برعاية وزارة الثقافة وجامعة النور وهيئة الآثار والتراث ومؤسسة بيتنا الثقافية. 

المعرض الذي حمل اسم (من النور الى النور) وضم 47 عملاً فنياً، قال عنه بن حاتم بأنّ فكرته مستوحاة من تاريخ نينوى "مدينة الشمس".. هذه المدينة كلما استوطنها الظلام والقى بظلاله عليها تلاشى واندحر وعادت مشرقة، وهو ما جعلني اختار اسم (من النور إلى النور) سيرة ملوّنة لمدينة عظيمة تشكل جزءاً مهماً من تاريخ وتراث هذه البلاد. 

يعتقد بن حاتم الذي قدم معارض شخصية على قاعات عربية وعالمية، وأحد ممن خاضوا تجارب عديدة في الرسم أهما (Versejunkies ) العالمة في الشعر والفن التشكيلي، أن الإعلام يشكل اليوم وجها من وجوه الذاكرة، والأمر ينطبق على الفنون جميعها، كما يضيف: كل منجز إنساني أو ثقافي مهما كان بسيطاً، فهو رد فعل واضح ازاء ما يحدث، إنه تجسيد للواقع الذي نعيشه أيّا كان خرابا أو موتا أو حُبا أو حياة، وما أردت نقله في هذه التجربة أننا في مواجهة مع قوى الظلام، وهو محاولة للوقوف قليلاً عند تاريخ نينوى وجدرانها وما حملته من فنون ومنحوتات، وما خلّدته هذه المدينة بدءاً من انتصارات وفتوحات الآشوريين وصولاً للملاحم شرقاً وغرباً وليس انتهاءً بالفلسفة والعلوم والمنجزات التي حملت لواءها هذه المدينة. ويتابع أن "الفن منذ البداية إعلاماً وإعلاناً وتوثيقاً مهماً لكثير من الأحداث التي مرت على هذه البلاد، وهو الفن في حضارات أخرى". 

ويشير بقوله: جسّدت في هذا المعرض ما حدث من ترويع وتنكيل وتهجير لأهالي الموصل ومكوناتها الأساسية من مسيحيين وايزيديين وجرائم أشاح الإعلام بوجهه عنها، رغم أنّها جرائم راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، مثل جريمة الخسفة! وهذا أبسط ما يمكن أن أقدمه كإنسان يقف مع شعبه وأبناء طينه ضد الإرهاب وضد قوى الظلام والجهل.  

ومن خلال ملاحظته للمشهد الثقافي العراقي يرى عمار بن حاتم  الذي صدر له (الدفتر الأحمر حكايات الصندوق الأسود، ورماد الطين) إنّ هناك تعطشاً للفعاليات الثقافيّة في المشهد الثقافي العراقي إذ بَين للـ "الصباح": أرى أننا اليوم نحظى بجمهور متعطش للغات الجمال كافة، حفلات موسيقية، معارض فنية، عروض مسرحية ومعارض الكتب كل هذه الفعاليات تُسهم في تعزيز الحراك الثقافي في المجتمع العراقي، وأعتقد أنّ شريحة واسعة من الشباب تهتم لما يدور في المشهد الثقافي وهو ما يثلج قلوبنا، يحدث هذا رغم أن الكثير من الانشغالات ورغم الواقع الذي فرضته علينا العولمة الرقميَّة ومنصّات التواصل الاجتماعي النوافذ التي تبث الرثاثة وتحاول تسطيح العقول وتسفيه كل المنجزات الإنسانيّة، لكن في الجانب الآخر هناك العشرات من الشباب الذين يعيدون لنا الأمل من خلال اهتماماتهم ومتابعاتهم وإنتاج مقاربات أو محاولات في الكتابة والفن وحتى التمثيل والغناء. 

ويوضح: ما أكد ذلك هو معرضي الأخير، إذ كان أغلب الحضور من الشباب وطلبة الجامعات، وكنتُ أجدهم باحثين عن الجمال بشغف وحب للحياة، مهتمين باكتشاف الرسائل المرمزة وقراءة ما بين السطور، لقد كانت لذة الاكتشاف تحملهم نحو السؤال والاستفسار وطلب شرح لعمل او لوحة ما، وهكذا شباب ليسوا فقط صناعاً للأمل، بل إنهم دافع يمنحك جرعة قوية للاستمرار في صناعة الفن والإبداع. 

وفي تجربة تحاول ملامسة الواقع العراقي وصراعاته وموضوعات أخرى جسّدها بن حاتم في تأثير هذه النزاعات، وهو يقول: رسائل كثيرة حملت على عاتقي ايصالها هذه المرة بنمط مختلف وهو الفن الرقمي، الذي يقترب كثيراً من فن "البوستر" متناولاً فيها موضوعات عدة والكثير من المحن التي عاشها الفرد العراقي منذ بداية الاحتلال الامريكي ومروراً بأحداث الموصل واحتفيتُ بمجموعة من رموز العراق من مبدعين أثروا المشهد الثقافي العراقي عبر تاريخه الحديث، تخللته الكوميديا السوداء ولم تغب عنا موضوعة التغيّر المناخي والتأثيرات السيئة التي نواجهها في الآونة 

الأخيرة. 

ويرى بالقول: غالباً ما كنتُ أمزج في معارضي السابقة بين قصائدي والألوان وأحاول أن أترجم بعضها من حروف إلى ألوان وأبعاد أخرى وصور، هذه المرة اعتمدت على الفن الرقمي وإيصال فكرة واضحة مبسطة من دون الاعتماد على الذكاء الصناعي كما يتصور البعض، فالذكاء الصناعي لا يفهم ما قد تعرض له مجموعة من البشر وتأثير رمز ما أو حرف ما بجماعة كحرف النون مثلا (ن) عندما كان يكتبه التنظيم الارهابي على جدران بيوت وممتلكات أشقائنا المسيحيين عندما سيطر على الموصل، مشيراً الى أنه لا يعتقد أن الذكاء الاصطناعي مهما كان ذكياً أن يجد الفكرة التي تؤثر في العاطفة أو تحرك الذاكرة باتجاه حدث ما، وهذا هو الفرق بين الفن الرقمي والذكاء

الاصطناعي.