أنشودة للتصالُح مع الحياة وكائناتها إيزابيل ألبا: السلاحف

ثقافة 2025/01/05
...

  ترجمة: نجاح الجبيلي 

"انقرضت الديناصورات، ولكن السلاحف ما زالت هنا". بهذه الكلمات تقدم إيزابيل ألبا (المولودة في مدريد، 1959)، جوهر روايتها الجديدة "السلاحف" عن منشورات دار نشر أكانتيلادو لعام 2024، هي رواية عن التكوين والنضج، تجمع بين شهادة على حقبة مضطربة وتأمل في قدرة الإنسان على التكيّف.

"يُدهشني كيف أنَّ السلاحف، التي ربما تكون أقدم الكائنات الحيَّة على الإطلاق، قد تمكّنت من البقاء على قيد الحياة لملايين السنين. حتى الآن، في مواجهة التغير المناخي، تبحث عن شواطئ جديدة للتكاثر"، تشرح ألبا خلال حديثها مع المحررة في الصفحة الثقافية لمجلة "اسبانيول" في ساحة هادئة بمدريد.

في سياق مناخي يقترب من كونه ديستوبياً، ولكنه أصبح بالفعل جزءًا من الحاضر، تتحول السلاحف إلى رمز للصمود. بالنسبة للمؤلفة، الرسالة واضحة: يجب على البشر، مثل السلاحف، أن يجدوا طرقاً للتكيّف مع عالم تغيّر بشكل لا رجعة فيه. وتقول محذرة: "نحتاج إلى التوقف، والبحث عن أساليب للتراجع التدريجي وإعادة البناء".

تدور الرواية حول ثلاث نساء من عائلة واحدة: صوفيا، المراهقة البطلة، إستريلا، جدتها، عالمة أحياء وحكيمة، وبلانكا، والدتها، الطبيبة التي تعيش في ظل توترات الحياة العصرية. من خلال حياتهن، تستكشف ألبا تعقيدات العلاقات بين الأجيال، والحزن، والنضال من أجل إيجاد معنى في عالم مليء بالشكوك.

تواجه صوفيا التنمّر في المدرسة، وفقدان جدتها، والتوترات مع والدتها، والكوارث المناخية. بدأت ألبا كتابة الرواية في عام 2022، حيث تنبّأت بظاهرة الدانا التي سببت فيضانات كارثية في إسبانيا، وركزت على الصمود والذاكرة، وأبرزت أهمية الروابط الإنسانية للاستمرار في عالم مليء بالشكوك. تقدم الرواية نافذة إلى عالم الشباب اليوم، مستكشفة أساليبهم في التواصل وفهم البيئة المحيطة.

نشأت فكرة رواية "السلاحف" من عملية إبداعية فريدة. تقول ألبا: "دائماً أبدأ بعنوان. كنت أعلم أن هذا الكتاب سيُسمى السلاحف، لكنني لم أكن أعرف السبب أو تفاصيل الحبكة". ومن هناك بدأت القصة تتشكل في ذهنها.

"أنا لا أدوّن ملاحظات عادةً. لكن مع هذا الكتاب، كنت في كل مرة تخطر لي فكرة، أمسك هاتفي وأسجلها صوتياً فوراً. وهكذا أدركت أن هذا الكتاب يجب أن يُروى من خلال التسجيلات الصوتية". وهكذا أصبح تنسيق الرسائل الصوتية جوهر الرواية السردي.


السرد الصوتي

تُسرد القصة من منظور صوفيا، باستخدام تسجيلات صوتية ورسائل على وسائل التواصل الاجتماعي لإعادة بناء عالمها. يعمل الهاتف كذاكرة لها، وملاذ، ومكان تسجل فيه أفكارها ومحادثاتها وتجاربها. قد يبدو هذا النهج مربكاً في البداية، لكنه سرعان ما يكشف عن عمقه. تقول الكاتبة: "الشباب يتصلون فوراً بهذا الأسلوب؛ أما الأجيال الأكبر سناً، فقد يكون ذلك بمثابة اكتشاف".

وبفضل مساهمات ابنة أختها المراهقة والنقاش مع معلمة حول لغة الشباب، تمكنت ألبا من تصوير أصوات الشخصيات بواقعية. حتى التفاصيل التقنية، مثل مدة كل تسجيل صوتي، عملت عليها بعناية فائقة.


أشكال جديدة

"بالنسبة لهذه الجيل الجديد، من الصعب فهم العالم. لقد واجههم عالم سيئ تماماً". تصف ألبا ديناميكيات الشباب اليوم، المنغمس في عالم مجهول يعمل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بحثاً عن التعاطف والاتصال.

تظهر العلاقة بين صوفيا ولونا، إمكانيات التكنولوجيا في بناء روابط ذات معنى. تقول ألبا: "تعكس وسائل التواصل الاجتماعي ما نحن عليه كمجتمع. أنا أدعم استخدامها، لكن يجب أن نتعلم كيف نكون أكثر مسؤولية".

تنقل الكاتبة الرسائل والملصقات والتسجيلات الصوتيّة التي تم تبادلها بين الشخصيتين، مستكشفة كيف تُشكِّل اللغات الرقميّة الجديدة علاقاتنا. تعد هذه السلاسة بين الرموز التعبيرية قدرة فريدة للأجيال الجديدة.

تُبنى الشخصيات في ذهن المؤلفة، حيث تنبثق تدريجياً من كل ما لاحظته وعاشته. تقول ألبا: "أعتقد أن هذه هي معجزة الأدب، القدرة على توليد شيء جديد من كل ما نراه ونتذكره. حتى الأشياء التي نسيناها تظل تولّد مشاعر في اللاوعي".

بالنسبة لإيزابيل ألبا، الكتابة هي حاجة متأصلة ترتبط بعمق بالحاضر. تقول: "حتى عندما أكتب عن الماضي، أفعل ذلك لتفسير الحاضر". تشترك جميع أعمالها في خلفية نقدية واجتماعية، ورواية السلاحف ليست استثناء.

تدين الرواية إهمال تأثير التغير المناخي، والتوترات التي أعقبت الجائحة، وارتفاع خطاب الإنكار والكراهية، بينما تحتفي بالصمود وقوة المجتمع. تقول ألبا: أعتقد أن حياتنا سياسية. نكتب انطلاقاً من المكان الذي نتواجد فيه في العالم.

وتضيف: جرى تعليمنا أن نؤمن بأن الزمن لا نهائي، لكننا الآن نواجه إمكانية انهيار في غضون عقود قليلة. هذه النظرة تؤثر على الجيل الحالي بطريقة فريدة.

في الرواية، يتجلى هذا التباين الزمني في شخصياتها: إستريلا، في نهاية رحلتها الزمنية؛ بلانكا، المحاصرة في اللحظة الراهنة؛ وصوفيا، التي تدرك فناءها منذ صغرها.

عمل مشرق

"نشعر بالضياع طوال الوقت، عند فقدان شخص ما، أو عندما لا نجد مكاناً لنا في العالم. الأهم هو أن نتشبّث بما يحيط بنا، في الأشياء الصغيرة". تشارك إيزابيل ألبا رؤية برتولت بريخت، الذي كتب أن السعادة تكمن في فتح النافذة، والاستماع إلى الموسيقى صباحاً، وارتداء حذاء مريح. تلك الملذات الصغيرة تربطنا بالحياة.

في رواية السلاحف، تؤدي التسجيلات الصوتيّة دوراً محورياً في حبكة القصة من دون الالتزام بترتيب زمني، إذ تسجل صوفيا بصوتها حياتها، وتعيد الاتصال بذكرياتها وتُحيي الأشخاص الذين فقدتهم. تقول ألبا: "إنها مثل الفسيفساء، ليتمكن القارئ من فهم القصة تدريجياً".

ورغم أن رواية السلاحف هي في جوهرها قصة عن الحزن، والتعاطف مع الطبيعة، والمجتمع، والأحباء، فهي أيضاً أنشودة للتصالح مع الحياة. تصفها ألبا بأنها عمل مشرق يتناول المجتمع، والذاكرة، والاتصال. وتختتم بقولها، مستشهدة بجان بول سارتر: "ما دام هناك من يعيش، فلن يختفي الموتى تماماً".