إيلون ماسك ومؤامرة الدجال

ثقافة 2025/01/08
...

عبد الغفار العطوي


من أكثر الشخصيات العالمية اليوم التي تأخذ مساحات واسعة من الشهرة، واهتمامات الملايين من البشر في أنحاء العالم، عبر منصات التواصل الاجتماعي ودوائر صناعة القرارات في الدول كافة، لا سيما تلك التي بيدها زمام المبادرة في الهيمنة على مقدرات الشعوب، وتمتلك السبق العلمي والتقني والسياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي الخ، هذه الشخصية التي أصبحت مثار الجدل والغموض والثراء الفاحش، ومدار البحث والإطراء والدهشة والحسد، بما يمتلك من سمات تجعله بين مصاف أخطر من يهدد العالم بأشياء لا تخطر على بال أحد، لا من قبل، ولا من بعد،

 الشخصية هي إيلون ماسك (52 سنة كندي الأصل حاصل على الجنسية الأميركية بامتياز)، لن أتحدث عنه، عن حياته الشخصية، ولا عن رهاناته العلمية والتقنية باعتباره من أحذق مخترعي الغرب الذين عرفهم العالم المعاصر الآن، ولا أغنى مستثمر في مجالات غير مربحة فحوّلها لعكس ذلك في ما تدر عليه من فائدة غير معقولة، ولا حتى بما يمتلكه من حقوق في منصة (أكس) و(تويتر) واستطاع أن يجعلهما محط أنظار الملايين من المتابعين، ما جعلني أنظر إليه من كونه يتكلم على قضايا خطرة تهدد سلامة عالمنا، خاصة في إمكانية أن يدخل في حكومة الرئيس الجديد- القديم دونالد ترامب، المقامر الذي يمكنه أن يضع العالم على كف عفريت بعد تسلمه الحكم في أميركا عن الحزب الجمهوري في يناير (2025) بعد تغلبه على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وتعتبر أميركا من الدول الغربية التي يأتي رئيسها بالانتخابات كل (4) أعوام، إلا أنَّ تلك الانتخابات الروتينية تشكل دوماً حدثاً عالمياً يحمل أحياناً المفاجأة (الانتخابات والأحزاب السياسية الأميركية مقدمة قصيرة جداً ال ساندي ما يسل) لهذا فقد حرص المراقبون أن يولوا شخصية ايلون ماسك أهمية متزايدة عقب تصريحاته الغامضة التي عززت من معركة ترامب في حل أزمة الركود الاقتصادي الأميركي والعالمي، وهذه المرة يتوقع أغلب المراقبين والباحثين أنَّ الفترة الترامبية الثانية لن تشهد حركة تبريد في ما تركه الديمقراطيون من قضايا مهمة أثناء حكم بايدن ليظل ساخناً، في مجال الحروب والاقتصاد، لا سيما الأخير، فظهرت الرهانات على أنَّ العالم سيعيش أزمة اقتصادية حادة، في ظل التأكيد على (نهاية الديمقراطية جان-ماري جميهينو) التي أشير إلى أنها انتهت في أواخر القرن العشرين، ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ الرأسمالية تعيش حقبة خطرة (الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها باتريك ارتو ماري بول فيرار) بحكم أنها ربما تؤشر إلى أنَّ احتمالية انهيار دعائم الرأسمالية في العالم باتت وشيكة، وقاربت على الانتهاء بالحتمية الطبيعية في شيخوخة الدول، أو على الأقل تعطل مصالحها المتمركزة في أميركا، خاصة وتعتبر المخاوف حول تلك الكارثة المحتملة أحد أسباب فوز ترامب وجهازه الذي قام ماسك بكل منصاته ومؤسساته في إنجاح خطة الحملة الانتخابية، المهم أنَّ العالم راح يركز على حركة ماسك في كل دقة، لأنه ظل يدعو إلى حالتين، هما الأولى، إنقاذ الاقتصاد الأميركي فقط من أزمته الخانقة، وتحويل منصاته نحو حالة جديدة تبشر باستراتيجية الحقبة التي تعنى بالثورة الصناعية الرابعة، وبإشراك الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في صناعة العالم من خلال نسخه (مدخل إلى عالم الذكاء الاصطناعي) والحالة الأخرى الجمع بين نظرية المؤامرة ومؤامرة الدجال، فإذا ما توجت الحالة الأولى بنجاح ترامب في الانتخابات لمدة (4) أعوام حامية سيشهد العالم خلالها كما يتوقع حروباً لا يمكن إلا أن تقضي على قدرة العالم على عدم النهوض بوجه أفكار ايلون ماسك (الشريرة) ليتفرغ لمشروعه في إسعاف أميركا وسحبها من حافة الهاوية، وترك العالم كله، بما فيه القارة العجوز يتضوّر انهيارات اقتصادية فادحة، والدفع في الحالة الثانية في التصريحات النارية بأن العالم يتعرض لنظريات المؤامرة، وأبرز هذه المؤامرات، هي مؤامرة الدجال، إذاً ما هي فحوى نظرية الدجال؟ وكيف يبرر ماسك عبر منصاته المختلفة لفكرة الدجال؟ 

Conspiracy theory

تعرف نظرية المؤامرة بأنها مصطلح سياسي سيميولوجي يؤشر نحو فعل انتقاصي يومئ إلى شرح حدث أو موقف اعتماداً على مؤامرة لا مبرر لها، كما أنَّ المؤامرة كإجراء تؤخذ من كونها عبارة عن أفعال غير قانونية تمس المضمون، وهي مؤذية من ناحية قيامها من قبل حكومة أو منظمة أو أفراد الغاية منها أن تكون هدفاً افتراضياً يتناقض مع الفهم التاريخي السائد، الذي يقوم بافتعال الانتقاص، إيلون ماسك من خلال منصة (اكس) وتويتر جنّد عشرات الأقلام الفكرية والصحافية لدعم جهوده في الترويج لتلك النظرية التي أشاعها حول أنَّ الاقتصاد الأميركي اليوم يتعرض لمؤامرة من قبل جهة خفية تحاول السيطرة على العالم، من هنا قام ماسك باحتكار صناعة الأقمار الصناعية (80 % من اسهم تلك الأقمار) وصرّح بشيء من الإصرار والتحدي، أنَّ المؤامرة يقودها (الدجال) مما صدم العالم كله في إطلاق عبارة (سيظهر الدجال ليغزو العالم!) لأنَّ فكرة الدجال قديمة نجدها في أدبيات الأديان القديمة، التي طالما لوّحت بها، وأشهرها (المسيح الدجال) ومعنى الدجال هو المموّه الكذاب الذي يستخدم طرق الكذب والتدليس، أو بمعنى آخر هو كثير الكذب والاحتيال، والنظر بعين واحدة هي عين الحيلة (الأعور الدجال) والغريب أن يفعل ثري مهووس بالابتكارات العلمية الرقمية، ويقف ضد القيم الانحلالية كالجندرة والمثلية والتحول الجنسي التي قام الحزب الديمقراطي الأميركي بالترويج لها منذ رئاسة أوباما إلى بايدن بتبني هذه الفكرة التي لم تعد مقنعة لعالمنا في الوقوف وراء كل الخطط التي تنادي بأن خروج الدجال الآن هو الوقت المناسب بالنسبة لأميركا الترامبماسكية (ترامب – ماسك) لإنقاذ الرأسمالية الأميركية وحدها، من الانهيار والتفكك كما يشير أغلب المحللين، ومؤامرة الدجال التي نجد جذور نبوءاتها في الديانات الإبراهيمية خاصة، تقسم العالم على عالم الظلمة وعالم النور، حيث يقود الدجال عالم الظلمة، سعياً لتخريب الحضارة المعاصرة (أميركا وحلفائها في الغرب) مما أثار تلك المؤامرة حاجة ماسك في تمرير مشروعه من أجل تحسين اقتصاد أميركا، وإنعاش الآمال المرجوة في استتباب سلطة المسيح المخلص الذي يؤمن به الانجليكانيون، من هنا نفهم أنَّ العالم الرأسمالي لا يمانع استخراج التاريخ الخرافي لغرض خلق أساطيره إيديولوجيا في سبيل الهيمنة على العالم.