حسب الله يحيى
الشر، مشكلة أزلية واجهت البشر منذ الجذور البكر لميلاد الإنسان.
كان الشر مرافقاً للطمع في الصراع بين قابيل وهابيل.. لكن هذا الطمع في الأنثى الأولى، لا يقوم على فهم وإدراك، وإنما كان عن غفلة وجفاء مع العقل، وقبلهما كانت الحياة في عالم آدم وحواء قائمة على التمرد والغفلة كذلك.
فهل كانت الاطراف (آدم وحواء) و (قابيل وهابيل) مدار وعي أم مدار جهل بالنتائج التي ستؤدي إلى ما آلت إليه الأمور.. من طرد الفردوس في الأولى، إلى الجريمة في الثانية!
من هنا نتبين أن الشر لم يكن ابداً قائماً على وعي مسبق، ولا نباهة ذهن، وإنما كانت تنم عن جهل.
الجهل مرافقاً للشر، إذن كيف نحمي أنفسنا ومجتمعنا من أعمال الشر؟
عن هذا الموضوع المثير للانتباه وللجدل كذلك، حرصت مجلة "قضايا إسلامية معاصرة" التي يرأس تحريرها المفكر د. عبد الجبار الرفاعي، على إصدار أربعة أعداد كل واحد منها مزدوج، وكلها مخصصة لـ (مشكلة الشر)، وهو جهد غير مسبوق في الصحافة العربية والمطبوعات عموماً، ذلك أن هذه الأعداد البالغة الأهمية، ناقشت الشر من جميع جوانبه وعن طريق كتاب عراقيين وعرب وأجانب، واستوفى هذا المحور كل ما هو متعلق فلسفياً ودينياً وفكرياً.. وكان الفيلسوف (اسبينوزا) يستأثر باهتمام الباحثين في جميع هذه الاعداد.. مما يجعله مصدراً أساسياً لدراسة الشر من جميع آفاقه ومصادره ونتائجه.
في الوقت نفسه بادرت مجلة "الثقافة الأجنبية" التي تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة إلى تخصيص (محور عن الشر) تضمن عدة دراسات مترجمة، ناقشت فيه جوانب أخرى للشر، وخصت به افلاطون وسبينوزا ايضاً، لكنها ركزت على: الشر والتسامح، والشر والحرية، والشر والطفولة، والمنظور الصوفي للشر، وتساءلت دراسة عن (التفكير في الشر.. وكيف يمكن لشلوك البشر أن ينتهك معايير العقل والعقلانية).
الفرق في محاور كلا المجلتين العراقيتين هو أن: (قضايا إسلامية معاصرة) كانت صاحبة المبادرة الأهم وغير المسبوق في تناول مشكلة الشر التي طالت مجتمعنا العربي أكثر من سواه من بلدان العالم، وقد يكون مصدر الشر هذا قائما على الجهل، الذي ساد منطقتنا التي كانت مدار صراع على مدى التأريخ، وهو الأمر الذي جعل الشر يشكل ثقلاً سلبياً على حياتنا، من دون أن نفكر في دراسة أسباب هذه المشكلة العصية، وعدم القدرة على مواجهتها بشكل علمي ومعرفي دقيق.. حتى أن أجيالاً مضت وتواصلت من دون أن تدرس هذه المشكلة دراسة متأنية بغية الوصول إلى الحد منها والخلاص منها بشكل نهائي..
صحيح أن كل المجتمعات في العالم، كانت قد واجهت الشر وعلى مر الزمن، إلا أن الشر اتسع نطاقه وبات يشكل خطراً يهيمن على البشر من دون أن نجد له حلاً معرفياً يؤدي إلى العيش في طروف آمنة ومستقرة يسودها الخير والسعادة.
إن دراسات مثل: الشر الاخلاقي وإنتاج الشر البشري/ للدكتور لؤي خزعل جبر، والتطرف والإرهاب/ لزادان المرزوقي، ومشكلة الشر وطرق التعامل معها/ لمصطفى ملكيان، ومعضلة الشر/ لمحمد بوهلال، ومشكلة الشر بين الطبيعة والثقافة/ للكاتب المغربي حسن العلوي، ومشكلة الشر في ضوء قوانين الطبيعة/ لزادان المرزوقي-أيضاً- والاستجابات الفلسفية لمشكلة الشر/ لجون هوفر، وسرد الشر/ لماريا بيالارا.. والعديد المهم من جميع الدراسات المعمقة التي ضمتها أعداد هذه المجلة المرموقة؛ كلها يجعلنا ندرك تماماً، أهمية أن ندرس المشكلات الراهنة التي تثقل علينا وتشكل خطراً على حياتنا ومستقبلنا..
وفي هذا الميدان لا بد لنا أن نعنى بالقضايا الملحة التي نواجهها، بهدف معالجتها والوقوف عندها، ذلك أن موضوعات كهذه، هو ما نحتاجه راهناً، ونحن نعمد ونفكر ونعنى بصياغة جديدة تستلهم وتتفاعل مع متغيرات الحياة العلمية وآفاقها.. فكيف نعمل على مواكبة التقنيات العلمية والمعرفية حولنا، في وقت نواجه مشكلة الشر؟
إن دراسة موضوعة هذه المشكلة من شأنها أن تحقق نتائج باهرة إذا ما توجهنا إلى التفاعل معها وإغنائها بأفعال مادية تجد صداها في الواقع الاجتماعي، خاصة وأننا في حالة تواجه مشكلات حقيقية عديدة في مقدمتها أن نواجه الجهل المحيط بنا بالوعي والنباهة لا بظلامية الشر، وبثقله على كل الخطى التي نسير بها.. من دون الوعي، سيظل الشر هو العقبة التي تحول دوننا والرقي المنشود والسلام المرتجى.