ترامب وخرائط جديدة للعالم

آراء 2025/01/13
...

 أ.د. عماد مكلف البدران 

إن شخصية الرئيس الامريكي ترامب المثيرة للجدل تعود هذه المرة، وكأنّ قفزات غير منضبطة طرأت عليها، ولاسيما ما يرتبط بطبعة تصرفاته المسرحية وحركاته الملفتة للنظر التي تشدّ البعض وتجعله معجباً بهذا الرجل المتحدّي القوي سليط اللسان صاحب القرارات القوية الذي اذا ما قال فعل،

وآخرون يجدون فيه شخصية خطيرة انفعالية تسلطية عنصرية هجومية تعيش المغامرات تحرّكها مصالح تاجر يحبّ عقد الصفقات الناجحة، ويستغل الظروف وهنا يعيد للواجهة شخصية راعي البقر الامريكي (Cowboy)، الذي صنع حضارته بوساطة العنف والاستغلال، وهكذا انبثقت حضارة الغرب الامريكي بثوبٍ ديمقراطي طرح أفكاراً عديدة عن الديمقراطية والحرية، وهي متممة لأفكار المدارس الاوربية الليبرالية، وكانت وسيلة جذب لشعوب العالم، التي وجدت فيها دعوات للحرية والتحرّر من انظمتها وقيمها واعتناقاتها مهما كانت الحصانة التي تتمتع بها، فقد تمكّن الطرح الامريكي من اختراق المنظومات الفكرية والعقائدية الفلسفية والاجتماعية بل حتى الدينية، ليؤسس له اتباعاً روجوا لمدارسه التي اطلقت العنان للحريات المتحدية والثائرة على واقعها بالضبط مثلما فعل الترويج الناجح لهذه المدرسة الغربية بقيادة بريطانيا وفرنسا، ليكتشف العالم الذي انهارت اسوار مقاومته، انه أصبح مستعداً للابتلاع من الاستعمار، ابتلاع ارضه وشعبه وهويته، ولا يمكن أنْ نستبعد كل طروحات المدرسة الديمقراطية الغربية التي انتجها مفكرون كانوا يلهثون بإخلاص وراء حلول لإدارة دولهم ودول أخرى واعني ما طرحوه من افكار تتعلق بالانتخابات والبرلمانات وفصل السلطات.. الخ، كانت وما زالت ناجحة، فإخلاصهم لخدمة البشرية اُستغل من حكومات راعية للتوسّع، لتستتر خلف لافتات المدرسة الحرة وشعاراتها، وفي بلدانهم كانت ديناً جديداً حلّ محل القيم والاعراف، صمموا على رعايته ودعمه وانضاجه، وقد نجحوا الا أنهم صمّموا بعد أن نجحوا على تصديره إلى العالم، واتبعوا في سبيل ذلك اساليب عديدة من ابرزها القوة، فحركتهم هذه انتِشاءً ونصراً يمكن أن نختار لها عنواناً هو( التصدير) رغماً عن انوف الجميع، ولكي لا تبور بضاعتهم حاولوا جاهدين ان يقدموا انموذجاً ناجحاً تنقاد لتأثيره الشعوب ليقودوها، ومن هنا حينما اخفق ترامب في انتخابات عام 2020، هاجم المسؤولين على اجرائها والحزب المنافس له الديمقراطي واتهمهم بالتزوير، ثم أمر اتباعه بثورة عارمة في امريكا كافة، كان نتيجتها احتلال مقر السلطة التشريعية الكونغرس الامريكي (الكابيتول) في 6 كانون الثاني 2021، وعلى اثرها هبت الولايات الامريكية لدعم سلطات فرض القانون ودعمت العاصمة واشنطن بقوات من الحرس الوطني خشية تغيير مسار الديمقراطية، الذي اعتادته امريكا وقدّمته على أساس أنه الوجه الناصع لها وبضاعتها الابرز التي روّجت لها حينما خاضت الحربين العالميتين الاولى والثانية إلى جانب الحلفاء، فأمام التطرّف النازي والفاشي القومي، قدّم الغرب انفسهم أنهم رعاة للديمقراطية، ثم قدّموا انفسهم على وفق الشعارات نفسها، حينما واجهوا الحركة الشيوعية العالمية، التي قادها الاتحاد السوفيتي آنذاك وأن حركة الأخير الأممية الهادفة إلى اختزال أماني الشعوب وحرياتهم وصهرها بنظرية شمولية، تعيق نموهم الحر وهي دكتاتورية الحزب الواحد، وهكذا حاولوا أن يعيدوا للعالم المواجهة وأن يبقوا على رأس الهرم العالمي الديمقراطي، واستغل ترامب هذا الارث لتدق خطاباته ناقوس الخطر داخل امريكا، وكانت تنذر بالانقسام ومن ثَمَّ الضعف وربّما الانهيار وهذا ما كانت تتوقعه معظم كتابات المفكرين الامريكيين والأفلام. لقد كانت أفكار ترامب لإقناع شعبه والعالم تتمحور على اساس أنها الخط الاسمى للديمقراطية والحرية، وراحت خطاباته الشعبوية تتناغم مع امزجة الامريكيين من ذوي الاتجاهات القومية، وهنا مربط الفرس اذ إن شكل هذا الخطاب هو المهدد للديمقراطية نفسها، فاليوم قدّم ترامب خارطة جديدة تدل على فكره المتطرّف، إذ لوّح بإمكانية ضمّ كندا لأمريكا والاستحواذ على بنما وتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج امريكا، واكد رغبته بضم جزر جرينلاند الدنماركية ذلك تحت لافتة تحقيق أمن امريكا القومي والاقتصادي ؛لأنّ دولته هي طليعة العالم الحر، وهي التي تُقاتل من أجل هذا العالم، وأن هذه القيادة تمنحه السلطة (الروحية) والمعنوية لكي يختار اجزاءً من العالم لغرض إدارة الصراع والدفاع عن الديمقراطية، وبالتأكيد هو خطاب جديد مرفوض من أوروبا والمكسيك وكندا، ففيه رغبة هيمنة وتوسّع من رجل خطابه الشعبوي مرتكز على النعرة العنصرية.