عدنان حسين أحمد
شيّدت المخرجة الإيرانية إلهة اسماعيلي فيلم "انتقال" على ثيمة بسيطة وحوار عائلي هادئ.
فقد قررت المخرجة أن تساعد والديها في حزم أمتعتهم والتهيؤ للانتقال إلى منزل آخر. وبينما تتراكم الصناديق والرزم تتصاعد النقاشات بين جيلين متناقضين؛ الأول ينتصر إلى الحجاب والتقاليد البالية التي
أكل الدهر عليها وشرب، والثاني يرفض الحجاب كليًا ولا يبالي بالرأس المكشوف، والصدر العاري، وظهور الأماكن الحساسة تحت الأبطين.
يتصاعد الحوار بين الأم المتزمتة، والبنت المتحررة التي تطالب بحقوق المرأة وعلى رأسها السفور وارتداء الملابس الأوروبية المريحة والتخلّي عن الشادور، وخمار الراهبة وما إلى ذلك. لم تبتعد قصة الفيلم عن دائرة الأهل وحلقة الأقارب، وخاصة الشابات اللواتي أُجبرنَ على ارتداء الحجاب منذ الطفولة، بحيث أصبح قيدًا لهن ولم يستطعنَ التخلّص منه حتى الوقت الحاضر.
تبدو والدة إلهة أكثر تشددًا من أبيها فهي تطالبها طوال الوقت بأن ترتدي قميصها الأحمر، وقبعتها الزرقاء، لكي تغطّي المناطق المكشوفة من جسدها ورأسها، بينما لا يجد الوالد غضاضة في قمصانها المريحة ورأسها الحاسر. وبما أنّ العائلة تتهيأ لزيارة العم حسين، الذي تعتقد الأم أنه أكثر تشددًا في ما يتعلق بالملابس المحتشمة، ولعله يرفض دخولها إلى مزرعته وربما تعود من حيث أتت أو تبدد وقتها في الجوار لحين الانتهاء من حفلة عيد ميلاد العم حسين وأفراد عائلته، الذين يدرّسون كلهم في جامعات دينية مرموقة. ورغم محاولات الأم المتعددة تُصر المخرجة على أن ترتدي لباسها الأوروبي، الذي يكشف عن رأسها وصدرها وأبطيها وأنها سترتدي الحجاب في حالة واحدة وهي إذا تحجّب الرجال جميعًا. تدور نقاشات طويلة وغير مملة عند بوابة المزرعة، حيث يحثّها أحد الرجال على ضرورة احترام العم حسين وأخذ آرائه وقناعاته على محمل الجد، لكنها تصرّ بأنها تريد أن تكون هي نفسها ولا تستجيب لآراء الآخرين، رغم الأمثلة الكثيرة التي يطرحها الرجل الذي يدير معها دفّة النقاش، فالكل يخشى إذا ما قال العم حسين كلامًا يُلحق بهم العار أو الشنار، لكنها لم ترضخ لآرائهم القمعية، فهي ليست طفلة ولها خياراتها الشخصية التي لن تتنازل عنها مُطلقًا. وفي خضم هذه التوترات تدخل المخرجة بوابة المزرعة وتلتقي بالعم حسين، الذي يفاجئنا جميعًا حينما تسأله إن كان منزعجًا من الطريقة التي ترتدي بها ملابسها حيث يجيب: " كوني مثلما تريدين أن تكوني، لماذا أنزعج؟" ومع أنه شخصيًا يفضِّل أن ترتدي الحجاب لكنه يترك لها الخيار. ثم يدخلان في نقاش منطقي مُقنع يقوم على الآية الكريمة التي تقول: "لا إكراه في الدين"، التي تتيح لهكل شخص مساحة واسعة من الاختيار.
لم تنتهِ العُقدة عند هذا الحدّ، فلقد اجتمعت الفتيات في مكان بعيد عن العائلة المُضيّفة وبدأ البوح عمّا يجول في أعماقهنَ من آراء مريرة عن الحجاب. فواحدة منهن أجبرها أبوها على ارتداء الشادور (وهو غطاء ثقيل يغطي جسد المرأة من سمتِ رأسها حتى أخمص قدميها) وذات يوم كان شادورها وسخًا وفي صبيحة اليوم الثاني أخبرتها أمها، بأنها نسيت أن تغسل الشادور، ففرحت كثيرًا لأنها ستذهب إلى المدرسة في ذلك اليوم بلا شادور. وحينما همّت بالخروج أوقفها والدها، وأجبرها أن ترتدي شادورها المنزلي. لقد علقت هذه الحادثة القهرية في ذاكرتها، ولم تستطع نسيانها حتى هذه اللحظة. تشترك بقية الفتيات بذكريات مماثلة، فالتي لا ترتدي الشادور عليها أن ترتدي حجاب الراهبة، حتى باتت هذه العملية سياقًا مُتبعًا لا يمكن تجاوزه أو كسره والغريب أنهنّ اعتدنَ عليه. لم يعترض العم حسين على الاحتفال بعيد ميلاده، حيث جلبوا له كعكة جميلة، وبدأ الرجال بالرقص بينما انغمست النساء والفتيات بالتصفيق والغناء. وحينما يُرفع صوت الآذان يؤمّهم العم حسين بالصلاة ويدعو للأموات منهم والأحياء. تنكفئ الأم في خاتمة المطاف على نفسها، وتعترف أنها فعلت كل ما بوسعها من أجل ثني ابنتها عن فكرة السفور وأنّ الله سوف يحاسبهما على انفراد. تمضي المخرجة مع صديقتها في مكان عام، فيندفع صوبها أحد الشباب مُحذرًا إياها من مراقبة الشرطة السريّة لها ويمكن أن تعتقلها في أية لحظة وتعرّضها للضرب أو تُدِخلها في دورات "التوجيه الأخلاقي" في أضعف الأحوال.