ثرثرة خارج المستطيل الأخضر

الرياضة 2025/01/14
...

  كتب خالد جاسم: 


 الشكاوى والتظلّم من التحكيم وأخطائه المستمرّة ليست حالة جغرافية محددة أو حالة عراقية بامتياز كما يظن البعض من متعصبي التشجيع لفرقهم لدينا وإنما تجدها في كلِّ دوريات كرة القدم في العالم، بل أنَّ بطولات كبيرة ومهمة ومنها المونديال وكأس الأمم الأوروبية وكأس القارات كثيراً ما شهدت أخطاء ارتكبها أصحاب الصافرة ومساعدوهم، ولم تكن من طراز الأخطاء البسيطة أو الهيّنة بقدر ما يمكن وصفها بالمصطلح المتداول والمعروف (أخطاء مميتة), والذاكرة بالطبع ممتلئة كما هو تاريخ كرة القدم بالكثير من هذا النوع من الأخطاء القاتلة أو المميتة لأنها تؤثر في نتائج المباريات بشكل جذري في معظم المواقف والحالات التي تشهد ولادة تلك السلسلة من الأخطاء التي نادراً ما تحدث في ملاعبنا ويرتكبها حكّامنا الأعزاء، ومع ذلك لم يسلم أيّ منهم وبرغم بساطة أخطائهم التي يمكن وصفها بالأخطاء الحميدة من اللوم والغضب بل وهناك من يسوِّغ سوء أدائه وتراجع مستواه بتلك الأخطاء التحكيمية ويجد فيها أفضل شمّاعة لتعليق الفشل.


ليس منظوراً آخر

 عدم الرضا على أداء حكّام الكرة ليس بالأمر الغريب في ملاعبنا الكروية, بل أنَّ السخط على التحكيم حالة طبيعية تجدها حاضرة في كلّ دوريات العالم وأكبر مسابقاته الكروية, وفي دوري الكرة الممتاز نرى الكثير من المدرّبين وإدارات الأندية واللاعبين والجمهور الرياضي كذلك ولا سيما في الأندية الجماهيرية والكبيرة يرمون كرة إخفاق تلك الفرق وهزائمها في ساحة التحكيم ويحمّلون الحكام وزر تراجع مستوياتها أو ضعف تدابير مدربيها وعدم توفيق لاعبيها في ترجمة الفرص السانحة مع أنَّ ذلك لا يلغي الحقيقة الساطعة والمعروفة بحضور الأخطاء في التحكيم بل وتسبّب القرارات المستندة إلى اجتهادات متسرعة أو أحكام غير دقيقة في حدوث حالات الظلم الصريح لهذا الفريق أو ذاك, وهي أخطاء محتملة الحدوث بل وطبيعية جدّاً لكنها لا تحمل صفة التعمّد في الأذى أو التصميم والرغبة المسبقة في إلحاق الأذى بفريق وتغليب كفة فريق آخر, كما هي الحقيقة الثابتة دائماً في ثقتنا العالية بمحكّمينا ونزاهتهم وعدالتهم التي هي ليست عدالة سماوية بالتأكيد لكنها من ميزان الاجتهاد البشري الذي يحمل الأخطاء غير المقصودة أو المتعمدة بكل تأكيد. وفي الوقت الذي نقسو فيه على فرق الدوري وأطرافها المختلفة التي تحاول تسويق الخسارة وتصريف أسبابها في سوق التحكيم وتحميل الحكام المسؤولية, فإنَّ التغاضي عن تلك الأخطاء من قبل لجنة الحكام في اتحاد الكرة لا يُعدّ مسوّغاً مقبولاً على الإطلاق طالما أنَّ مبدأ الثواب والعقاب في التعاطي مع الحكام ومستوى أدائهم حاضر باستمرار, كما أنَّ إصرار بعض الحكام على عدم الاعتراف بالخطأ وهو غير متعمد بكل تأكيد لا يُحسب في الخانة الإيجابية لحامل الصافرة أو مساعديه, وأحيّي كثيراً شجاعة بعض الحكّام ومساعديهم عندما يعترفون علناً بمسؤوليتهم عن تلك الأخطاء والاعتذار عن الخطأ هو الفضيلة بعينها التي نتمناها حاضرة لدى الآخرين في دنيا الصافرة.


(الفار) بين نعمة ونقمة

 وفي سياق صيحات الشكاوى والأنين من أخطاء التحكيم تعالت في دورينا ورغم الاستعانة بتقنية (الفار) حدة الجدل حول أخطاء أهل الصافرة في العديد من المباريات, الأمر الذي أسهم في إفساد العديد منها مع ما يُثار من علامات تعجب واستفهام حول التحكيم والحكام برغم التوقعات والآمال المتفائلة في إمكانية تقلص وانحسار الأخطاء بعد استخدام (الفار) الذي صار في نظر كثيرين نقمة وليس نعمة في المباريات, وفي المقابل تجد لجنة الحكّام في اتحاد الكرة في موقف المدافع الصلب عن استخدام هذه التقنية، وفي هذا الصدد يقول السيد لؤي صبحي عضو اللجنة: “تقنية (الفار) نجحت في الدوري العراقي بحسب الدراسة التي أعدتها لجنة ودائرة الحكام، وهناك الكثير من القرارات التي تم الرجوع فيها إلى تقنية حكم الفيديو المساعد وكانت تصبّ في مصلحة اللعبة وأعدها تجربة ناجحة بكل المقاييس لكل المباريات وهي أصلاً عامل مساعد لحكم المباراة كونها تساعده على الرجوع إلى القرارات الأربعة المهمة التي نص عليها القانون علماً أنَّ التجربة التي عملنا عليها كانت لأول مرة تدخل العراق وتعاملنا وفق مبدأ العمل الجماعي وإعداد المحاضرين الأجانب وتهيئة كل السبل التي تسهم في إنجاح المشروع من تهيئة الملاعب والفرق التي تم التطبيق عليها لذا أعدّها ناجحة جدّاً.

 وجهة نظر السيد صبحي وجدت تأييداً يكاد يكون نسبياً من الحكم الدولي السابق شاكر محمود الذي لم تخلُ سطور كلماته من حضور بعض السلبيات في قضية استخدام تقنية (الفار) إذ قال محمود: “لا شكَّ أنَّ اتحاد الكرة قد نظم مع بداية الموسم ورشة عمل من أجل إطلاع الحكم العراقي على أبرز التقنيات الحديثة التي طرأت على أجهزة (الفار)، وبما أنَّ تقنية الفيديو أصبحت من أساسيات نجاح الدوري، فضلاً عن أنها لاقت إعجاب واستحسان الجمهور وكل من له شأن بكرة القدم، وفي ما يخص نجاح التجربة من عدمه أعتقد ورغم أنها اعتُمدت للموسم الثاني على التوالي لكنها لم تكن بمستوى الطموح وذلك من خلال ضعف الإخراج التلفزيوني المعمول بالدوري العراقي، إذ لا يعطي الحالة المطلوب من الحكم إعلانها للفريقين والجمهور والمشاهدين بصورة دقيقة ومن جميع الاتجاهات عكس ما نشاهده في دوريات دول الجوار أو دوريات الاتحاد الأوروبي التي تُظهر الحالة المراد من الحكم إعطاء المخالفة بصورة دقيقة وبأقل وقت وهذا كانت له آثار في حكامنا بإعلان صحة المخالفة من عدمها في الوقت الذي يتناسب مع المخالفة.

 

حادثة كربلاء بين نقيضين

 حادثة الاعتداء على الحكم الدولي المساعد حسين فلاح في مباراة دوري نجوم العراق يوم الثلاثاء الماضي بين فريقي كربلاء ودهوك، والتي تعرّض فيها الرجل إلى رمي حجارة كبيرة على رأسه من مشجّع طائش متهور هدّدت حياته بشكل خطر كما روى الحادثة مقيّم حكّام المباراة رعد سليم الذي عايش الحدث بكل تفاصيله بقوله: «بعد أن أغمي عليه ودخل الذعر قلوبنا هرعنا أنا والطاقم التحكيمي كوني مقيّماً لحكام المباراة نسارع الخطوات إلى المشفى بعد نقله في سيارة إسعاف المباراة وتم إجراء (10) غرز وتضميده ثم نقله إلى أشعة المفراس ونحن في قلق شديد لتظهر النتيجة وجود فطر في الجمجمة أقلقنا كثيراً حتى ساعات متأخرة من الليل بعد نقله للعناية المركزة». ويضيف سليم بلهجة حزينة جداً، «هذه الحالة الاستثنائية الخطرة لم تهزّ مشاعر أي عضو في اتحاد الكرة ليكلف نفسه الحضور والاطمئنان على سلامة الحكم وكربلاء لا تبعد عن بغداد أو النجف إلا ساعه ونصف الساعة مما جعلنا نشعر بخيبة أمل نتيجة عدم الاهتمام وتثبيت موقف مع أحد أقطاب اللعبة من الحكام.. الحمد لله دفع الله ما كان أعظم».

هذه الحادثة المؤسفة التي لقيت استنكاراً واسعاً واستهجاناً كبيراً على مختلف الأصعدة دفعت لجنة الحكام إلى اتخاذ قرار بتعليق التحكيم في مباريات الدوري ثلاثة أيام قبل أن تعدل عن قرارها ليكون قرار التعليق يوماً واحداً بعد الاجتماع الذي تم في مساء اليوم نفسه مع رئيس اتحاد الكرة عدنان درجال عبر الدائرة التلفزيونية (الزووم) بعد أن استهلّ درجال حديثه مع الإخوةِ الحكام بتجديدِ شجبه واستنكاره للحادثة التي ألمّت بالحكم الدوليّ حسين فلاح، مبيناً أنَّ الاتحادَ لن يتوانى مطلقًا عن اتخاذِ القرارات المُناسبة التي تضمن سلامةَ العناوين الكرويّة المختلفة. وأضاف أنَّ ما حدثَ للحكم الدوليّ حسين فلاح لن يمرّ مرور الكرام، بل سيكون درساً لكل مَن تسوّل له نفسه تشويش الصورة الزاهية لدورينا الذي نطمح أن يكون دائماً في مقدمةِ دوريات المنطقة.

من جهته، قدّم رئيسُ لجنة الحكام الدكتور محمد عرب شكره وتقديره العاليين لرئيسِ الاتحاد عدنان درجال على اهتمامه الكبير بشريحةِ الحكام، ووقوفه شخصيًا على حالةِ الحكم الدوليّ حسين فلاح بعد تعرّضه للاعتداء. وأضاف أنَّ الوقفة الشجاعة من قبل الحكام مع ما حدثَ يدل على تماسكِ العائلة الواحدة رغم التحدياتِ الكبيرة التي تواجههم مبيناً أنَّ ما حدثَ من امتناع الحكام من قيادةِ المباريات لا يعدُّ إضراباً بقدر ما هو تكاتفٌ أسريّ ينبغي أن يحدث.

 

تغريدة نارية

حادثة كربلاء بكل نتائجها وتداعياتها أثارت موجات غاضبة من ردود الأفعال ولعلّ الحكم الدولي محمد طارق أحمد أكثر من وصف ما جرى وصفاً نارياً وذلك في تغريدته التي جاء فيها: «قلتها مراراً وتكراراً، هناك أزمة أخلاق وعدم احترام وإهانة للحكم العراقي داخل الملعب.. لا أحد يحترم القانون ولا أحد يقدّر التضحيات التي يقدمها وعندما نطبق القانون تأتي الأصوات النشاز لتقول إنَّ محمد طارق أحمد يشد المباريات أو عصبي أو مغرور أو (يدوّر طشة).. اليوم وقعت فاجعة الزميل حسين فلاح وهو بينه وبين الموت إلا ما رحم ربي وعليها عن نفسي أقرر تعليق عملي في التحكيم إلى إشعار آخر. أرواحنا أسمى وأكبر من الجميع». وبالقدر الذي عبّر فيه الحكم طارق عن مكنونات غاضبة في داخله بحيث استثمر حادثة الاعتداء على زميله وجعلها فرصة سانحة للتنفيس عن معاناته ومعاناة زملائه في المهنة المتعبة. فإنَّ كثيرين وجدوا في إعلان الإضراب عن العمل التحكيمي ثم تغييره بقرار التعليق أمراً لا طائل منه ولا جدوى مفيدة فيه وهنا أستشهد بوجهة نظر القانوني الرياضي المتخصص المحامي وليد الشبيبي بقوله: “كلنا استنكرنا هذا الفعل الهمجي الإجرامي للمعتدي وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه وسيثبت التحقيق ظروف وملابسات ارتكابه للجريمة كما أنَّ كل من يحاول تبرئته بشهادات مكذوبة ستتم إحالته للتحقيق بتهمة شهادة الزور وسيُحكم عليه أيضاً لذا لا يحاول أحد الدفاع عن مجرم كاد يرتكب جريمة قتل. الإضراب يكون مشروعاً عندما لا يتم اتخاذ الإجراءات القانونية هذه وفي حالة استمرار تهديد حياة الحكام وهذا غير صحيح بل بالعكس اتفق الجميع على موقف موحّد والجميع دافع عن الحكام فارتكاب أخطاء تحكيمية لا يعني ارتكاب جريمة بحق أحدهم لأنَّ هذا إجرام وانفلات وانحراف، كما أنَّ المصلحة العامة تتقدم على المصلحة الخاصة والإضراب يضرّ ولا ينفع فلكل إضراب غاية فما هي غاية هذا الإضراب عدا الحماية والقصاص من المجرمين والمنحرفين؟ وهذا قد حصل مباشرة. قرار الإضراب كان ردة فعل انفعالية عاطفية مع كل احترامنا لمن اتخذه لكن لا يجوز مساعدة المجرمين المنفلتين على تحقيق غايتهم في تعطيل وتخريب الدوري.


الأجور والحصانة الضعيفة

 كثيرون بعد الذي حدث في ملعب كربلاء تساءلوا عن تقاعس الحكام في اتخاذ أي قرار في الإضراب بل حتى التعليق لمهامهم التحكيمية نتيجة عدم دفع اتحاد الكرة المستحقات المالية المتراكمة للطواقم التحكيمية. وهنا توجّهت بالسؤال إلى الحكم الدولي السابق شاكر محمود عن حضور هذا التناقض لدى أهل الصافرة في الدفاع عن حقوقهم، إذ أجاب بالقول: “الحكم له دور مهم وأساسي في إدارة مباريات كرة القدم وتزداد أهمية الحكم كلما يتم اختياره في البطولات الدولية القارية والعالمية وتزداد أجوره وبالعملة الصعبة، نعود لمسألة الحكم العراقي هل كانت لجنة الحكام محقة بتعليق عملها بإدارة مباريات الدوري؟ أعتقد نعم بعد أن عجزت عن إيصال صوتها عبر لجنة الحكام لأتحاد الكرة المعني الرئيس بتطور كرة القدم لإيجاد حل بتوفير أجور الحكام، وما حدث في مباراة كربلاء ودهوك وإصابة الحكم الدولي المساعد فلاح حسين ولولا رعاية الله لكان في خبر كان، أجبرت الاتحاد على الجلوس عبر (الزوم) والحديث عن أحداث كربلاء وأعتقد سوف يجبر الاتحاد في الوقوف جنباً إلى جنب مع الحكم العراقي وتوفير أجور التحكيم التي طال انتظارها، رغم عدم ذكر مشكلة أجور الحكام خلال الاجتماع، لاشك أصبحت رسالة واضحة للاتحاد وردة فعل الشارع الرياضي الذي ساند ووقف وطالب الاتحاد بتوفير أجورهم التي لا تزال متوقفة للموسم الثاني على التوالي.