مُعجم السّين

ثقافة 2025/01/14
...

  صادق الطريحي


زَيْتٌ ومطبَعةٌ لِنشرِ دِراسةٍ صَوتيّةٍ حَولَ الإمالةِ والمَعاجمِ في السّوادِ، لمُعجمِ التّرقيقِ، والنّبْراتِ، والفُونيمِ في ترتيلِ سَيّدةِ النّجاةِ، وفي الأناشيدِ التي تُتلى بنيسانِ المَجيدِ، بغُنّةٍ وتَصدُّعٍ وتخشُّعِ. 

كمْ كنتُ أسمعُ صوتَ سيّدتي المُرابطةِ البتولِ لوحدِها في قِطْعةٍ مِنْ ليلِ بابلَ! بابلَ العُظمى، ومفتاحَ السّلامِ، وكانَ صَوتُك يَملأ الدّنيا أمانًا، لا دَويّا!!! يمنحُ الأبراجَ فاكهةً وألسنةً، وألسنةً تردّدُ قطعةَ الشّعرِ الأخيرةِ في مَديحِ الضّارعاتِ، وفي دعاءِ النّادباتِ، وكنتُ أسْمعُ نبرةً ما، نبرةَ السّينِ المُباركِ: 

يا إلهَ السّومريّاتِ الجميلِ، ويا إلهَ السّومريّاتِ الرّحيمِ، ويا إلهَ السّومريّاتِ القريبِ، ألا تشاركُنا الغناءَ، ألا تشاركُنا الحِدادَ! فقدْ طمى الزّيتُ المَهينُ.. 

وأنتَ أعرفُ بالسّوادْ.

زَيْتٌ غَزيرٌ طافحٌ، زَيْتٌ، وتَصفيقٌ، وتصديةٌ، وهَوْسَاتٌ، تَسدُّ مسامعَ السّاعاتِ، تغلقُ نبضَ ماكنةٍ مُسنّنَةٍ، وتجعلُها تَسيلُ كمعدنٍ صهرتهُ شمسُ القيظِ، صهرًا لازبًا، هو معدنٌ مرُّ المذاقِ بلذعةٍ، لا يعلمُ العمرَ المضاعَ لنصفهِ؛ لا يعلمُ المفقودَ منْ أصواتهِ. لا يعلمُ التَّحريكَ في ذرّاتهِ. وأنا الفتى، ما زلتُ أسمعُ صوتَ سيّدتي المُترجمةِ البتولْ. 

كمْ كانَ صوتُكِ يملأ الدّنيا شَميمَ البُرتقالِ!! وكانَ صوتُكِ مُعجمًا مُتعدّدَ الأبوابِ، لكنّ اللّسانَ، لسانَكِ الكُوفيَّ، مِفتاحُ اللّغاتْ.

زَيْتٌ لأصحابِ الفنونِ، لمُعجمِ الصُّيّاغِ في السّوقِ المُسقّفِ في بلادِ السّومريينَ الخَصيبَةِ في الكتابِ، لِصاغةِ الأقراطِ والحِليّ المُزخرفِ والأساورِ، للحَبيبةِ، للمُترجِمةِ الحبيبةِ حِينَ تَلبسُ تاجَها، وأساورَ الذّهبِ العراقيّ المَصوغِ بكربلا؛ كي تعزفَ القيثارَ، كيْ تتلو النّشيدَ بفتنةِ الشّفتينِ في نَيسانَ.. 

إنّي أحسنُ الإصغاءَ سيّدتي، وأحسنُ أنْ أغازلَ صوتَكَ الحَضريّ، أحسنُ وصفَ نُوتاتِ الكتابِ تحدّثُ اللّغةَ التي تَهْوَيْنَ، لكنَّ المَعاجمَ قدْ نَسَتْني، بلْ نَسَتْني مُهملًا في مُعجمٍ ما في السّوادْ.

زَيْتٌ لصُنّاعِ السّوادِ، لمُعجمِ الأدواتِ والآلاتِ، آلاتَ الفِلاحةِ، والطّباعةِ، والصّناعةِ، والجراحةِ، والقياسِ، بدولةِ الأحنافِ في السّهلِ الخصيبْ.

أنا صانعٌ، أنا صانعٌ مِنْ سادةٍ نُجُبٍ، غَطارفةٍ وأقيالٍ، أقامُوا في السّوادِ مَصانعًا ومَشاغِلًا كُبرى لتلوينِ المَعادنِ والزّجاجِ، لصهرهِا، ولمَنحها نقشًا وإيقاعًا، تباركَ صوتُهُ، أنا صانعُ الأدواتِ، والآلاتِ، والعَدساتِ، لي في سِكّةِ المَرزوقِ (مَصْهِرُ قُرّةُ النّانارِ)* جوّدتُ التّقانةَ والصّهيرَ لمَعدنٍ مُتجانسٍ، مُتآلفٍ، مُتعفّفٍ ينصاعُ للتّشكيلِ والتّأويلِ، والطَّرْقِ الخَفيفِ لدقّةِ المُتمرسينَ بحرفةِ التّطريسِ، لي في دَربِ هدّادِ المُكحِّلِ مَعرِضٌ باسمِ السّديرِ المُنتهى. في الغُرفةِ العُليا أطبّبُ أعينَ القُرّاءِ، أُبْرِئُ كلَّ مَنْ فقَدَ المَناعَةَ، واللّسانَ، وشفرةَ الوقتِ الخصيبْ. 

وأبيعُ في الصّالونِ نقدًا بالشّياقلِ: نسخةَ الإنشادِ، نسخةَ (قرّةُ الموعودِ)، ألواحَ الزّخارفِ والأسودِ، لوضعِها في مَرصَدِ السّرطانِ، أتْمَمتُ الكِتابةَ، والمُراجعةَ الأخيرةَ للمُواقعِ في مَسلّةِ شالمِ المرزوقِ، أتممْتُ الكتابَ لكمْ عسى أنْ تَعلَموا.


* سيّدةٌ تقيمُ صلاتَها لحماية الأنثى مِنَ الأوباشِ