سامر المشعل
يذكر أحد اصدقائنا المسرحيين أنهم في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ذهبوا بوفد رسمي إلى فرنسا، وكان على رأس الوفد وزير الثقافة العراقي انذاك، وكان في استقبالهم وزير الثقافة الفرنسي جاك ماثيو في حكومة جاك شيراك، يقول، وجدنا في ذلك فرصة أن نوجه دعوة للفنان المسرحي مارسيل مارسو ممثل فن البانتومايم إلى مهرجان بابل، من خلال الوزير الفرنسي.
لكن وزير الثقافة الفرنسية اعتذر وقال: أنا لا استطيع الطلب منه الحضور إلى مهرجان بابل، هو فنان وله عالمه الخاص وقناعاته، وليس موظفاً عندي كي أطلب منه ذلك، ممكن أن نساعدكم في الاتصال بمدير أعماله لحجز موعد مع الفنان، وهو الذي يقرر تلبية الدعوة أو رفضها!. يقول صديقنا أصبنا بالذهول من رد الوزير الفرنسي، كيف لوزير لا يستطيع ان يفرض على ممثل الحضور إلى مهرجان؟ ونحن المحملين بثقافة القهر السلطوية في العراق، ان الوزير في حقبة البعث الدكتاتوري ممكن أن ينهي وجود أي فنان مهما علا شأنه اذا خالف توجيهات الحزب.وقد تم لقاء الوفد العراقي مع الفنان مارسيل مارسو، ورفض الاخير دعوة الحضور إلى مهرجان بابل.
الفنان في الغرب له قيمة عليا وحصانة لا يستطيع المسؤول والسياسي اختراق قناعاته أو يفرض عليه املاءات السلطة، وله الحرية الكاملة فيما يرى ويقرر. على العكس من البلدان المتخلفة والانظمة الشمولية فهي تنظر إلى الفنان، نظرة دونية وكائنا يمكن ترويضه لخدمة مصالحها، وفي أحيان كثيرة ان الفنان لا يعرف قيمته وقدره ويسيء إلى نفسه وتاريخه، من خلال التملق والاستجداء وتلميع صورة مسؤول أو جهة سياسية.. وهناك ظاهرة أخذت تتكشف في شخصية الفنان العراقي عندما يبلغ من العمر عتيا، بدلا من أن يتمسك بكبريائه ويحرص على حفظ كرامته وتاريخه الفني، يسقط في وحل الاستجداء لمسؤول فاسد أو استصغار نفسه بطريقة مذلة أمام بعض الأمراء والشيوخ من دول الخليج للحصول على الفتات من الامتيازات والهبات، فيخسر نفسه ويضحي بسمعته واسمه امام جمهور كبير يحب فنه ولا يحترم شخصه.
الفن هو القوة الناعمة التي تظل كل الدول مهما بلغت من القوة والتطور التكنولوجي بحاجة إلى هذه القوة، فالرئيس الاميركي ترامب الذي ينتظر الجميع بحذر مجيئه للبيت الأبيض، كان بحاجة إلى بعض الفنانين الأميركان ويحاول بكل الوسائل كسب ودهم للوقوف إلى جانبه في دعايته الانتخابية، لأن هؤلاء الفنانين ممكن أن يؤثروا بالرأي العام الاميركي ويغيروا مزاج وافكار نسبة ليست بسيطة بالمجتمع.
الفنان يزداد تقديرا ووقارا اذا تكاملت لديه القيم الابداعية مع جمال الموقف الانساني والوطني، وخير مثال على ذلك السيدة فيروز التي زارها الرئيس الفرنسي ماكرون وقصد بيتها، كونها تمثل الرمز الوطني، الذي يجمع عليه كل الشعب اللبناني، ولم يقصد السياسيين المتناحرين الذين عمقوا جرحات الشعب ومعاناته.