حقيقة أم مناورة

آراء 2019/07/02
...

حميد طارش 
يكثرُ حديث القوى السياسية هذه الأيام عن توجيه النقد لرئيس مجلس الوزراء في عدم قيادته لمجلسه على المسار المطلوب لإنقاذ البلد مما يعانيه، فضلا عن انشغالهم في عملية إنهاء العمل بالوكالة واختيار مرشحين على أساس الكفاءة والنزاهة وليس المحاصصة، كما أعلنت بعضها تبني المعارضة البرلمانية، وهذا الحراك يتطلب بحثه عن طريق تسليط الضوء على مدى حقيقة النظام البرلماني المعمول به في العراق.
النظام البرلماني يعني حكم الأغلبية السياسية الفائزة في الانتخابات، وأقصد بالسياسية، العابرة للتنوعات الدينية والقومية، وأنْ تكون الاقلية السياسية معارضة برلمانية، وهي رقابية بامتياز، وتتفوق على جميع مؤسسات الرقابة الأخرى، في محاولة منها لكسب الرأي العام للفوز في الانتخابات اللاحقة من خلال كشف كل ما يعتري الحكومة من ضعف في الأداء وفساد وتنصل عن وعودها الانتخابية التي كانت سبباً للفوز، وهنا تكمن قوة النظام الديمقراطي البرلماني، وهذا ما لم يحدث في العراق، إذ تقاسم الأخوة الأعداء!!! السلطة، وهكذا أصبح العراق في ظل نظام فريد من نوعه، ولا يمكن أنْ ينتج إلا الخراب، بسبب غياب أهم رقابة من شأنها أنْ تجعل جميع القوى السياسية حاكمة ومعارضة في خوف ورقابة ذاتية من أنْ يسجل عليها ما يحرمها الحكم، فضلاً عن تأسيس مؤسسات رقابية كانت جزءاً من لعبة تقاسم غنائم السلطة!، وليس كما يعلن البعض من ممثلي الكيانات التي أعلنت عن المعارضة بأنها تقويمية وتوجيهية وتهدف الى مساعدة الحكومة! وهذا ليس بالصحيح، بل يجب أنْ تكون العلاقة بين الحكام والمعارضة كالعلاقة بين فريقين على ساحة الملعب وكل فريق يريد تسجيل الأهداف والفوز في المباراة والأهداف في الساحة السياسية هي خدمة المواطن من قبل الحكام أو بيان فشل الحكام من قبل فريق المعارضة، أضف الى ذلك، فإنَّ المناصب السياسية تقتصر فقط على عضوية مجلس النواب ومجلس الوزراء، ولهؤلاء اختيار رؤساء واعضاء الهيئات المستقلة وخبراء ومستشارين ووكلاء ومدراء عامين وفقاً لمعايير عالية من الخبرة والمهنية والنزاهة ليكونوا الأساس في نجاح المؤسسة بتأدية مهامها وتحقيق أهدافها وبمستوى عالٍ من الجودة والخدمة للمستفيدين منها، ومن ثم فهو نجاحٌ للكيان السياسي الحاكم، لكنَّ الذي حدثَ في العراق، إنَّ هؤلاء يتم تعيينهم وفقاً لمبدأ تقاسم غنائم السلطة وما اصطلح عليه بـ”المحاصصة”!!! وخارج إطار معايير الكفاءة والمؤهلات المطلوبة للعمل في هذه المجالات، وتسريبات المباحثات عن اختيار المرشحين للدرجات الخاصة وإنهاء ملف العمل بالوكالة تشير الى اعتماد المحاصصة وهذا ليس بغريب على هذه الكيانات السياسية التي ظلت تدور في حلقة مفرغة لا ترى فيها سوى مصالحها الضيقة وهي تتفنن بأساليب غير مجدية ومنها على سبيل المثال اختيار رئيس لمجلس الوزراء من الشخصيات المستقلة بخلاف واقع النظام البرلماني الذي يفترض أنْ يكون رئيس الوزراء زعيم الأغلبية السياسية، أي بمعنى آخر يكون قوياً، والنتيجة الفشل، وسأذكر ثلاثَ حالات منها لا تتطلب أدنى معرفة أو عبقريَّة! من أجل تأمينها، الأولى، عدم محاكمة حوت واحد على الأقل من حيتان الفساد، والثانية، عدم تأمين مفردات البطاقة التموينيَّة، والثالثة، عدم تعبيد طرق النقل التي تحصد أرواح الناس يومياً!.. والقائمة تطول وقد تؤدي الى اندلاع احتجاجات كبيرة وربما تسفر عن نتائج لا ترضي الساسة. لكنها بكل تأكيد أصبحت الحل الوحيد للإصلاح.
(*) باحث قانوني