مرجفون!

الأولى 2025/01/19
...

 كتب رئيس التحرير:


في اشتداد الأزمات وفي المراحل الانتقاليَّة في السياسة يُخلق ما يمكن تسميته سيولةً في التحليلات ومجّانيَّةً في التكهّنات، ويخرج إلى الواجهة أناسٌ لم يكونوا يتجرّؤون على إبداء رأيٍ أو تحليل موقفٍ وتكون أصواتهم عاليةً في أزماتٍ كهذه لأنَّ انفتاح المشهد السياسيِّ على احتمالاتٍ متعدِّدةٍ يُعينهم في أنْ يُدلوا بدلوهم في حفلة التكهّنات.

منذ مدَّةٍ ليستْ ببعيدةٍ تمتلئ برامج حواريَّة لبعض الفضائيات، كما صفحات مواقع التواصل بقراءاتٍ سياسيَّةٍ هي أبعد ما تكون عن الخطاب التحليليِّ السويِّ الرصين، فتجد فيها نبرةً أشبه بنبوءات المنجّمين عن تغيير أنظمةٍ وتساقط دولٍ وتقدّم جيوشٍ وتقهقر أخرى. وكلُّ ذلك يُقال بنبرة وثوقيَّةٍ جازمة لكنْ من دون دليلٍ يسندها ولا مقدِّماتٍ منطقيَّة.

مؤكّدٌ أنَّ لهؤلاء "المحلّلين" جمهوراً يتابعهم وإلّا لما استمرّوا على هذه الوتيرة التي يتساوى فيها التنجيم بالتحليل. لكنَّ هذا الجمهور سرعان ما سينفضُّ عنهم حين يرى أنَّ هذا الوثوق واليقين الذي يقرؤون به الأحداث سيظهر في قادم الأيام على حقيقته مجرَّد تكهّناتٍ يمليها الهوى أو التعصّب لإيديولوجيا معيّنةٍ أو ـ وهذا أسوأ الجميع ـ نتاج إملاءاتٍ مدفوعة الثمن.

بعض المحلّلين يحبون لعب دور المرجفين ويجدون فيه متعةً ومجلبةً للمشاهدات وتكثيراً في عدد المتابعين لكنّهم يغامرون بأسمائهم وتاريخهم حين يخلطون بين وظيفة المحللين ووظيفة "المنجّمين" الذين وصفهم الحديث الشريف بأنهم كاذبون ولو صدقوا!