نزار عبد الستار
كثيرٌ من الروائيين والقصاصين ينتكسون عندما لا تلاقي أعمالهم الأثر المقبول عند القارئ، فقناعاتهم أنَّهم كتبوا عن قضيَّة حساسة وأعمالهم تتضمن أحداثاً مشوّقة، وأغلب هؤلاء يرجعون السبب إلى تراجع الاهتمام بالقراءة وإلى التفشي الساحق للتفاهة.
الاختيار الأمثل للغة هو من يحقق الأثر الطيب، كما أنَّ على الكاتب انتقاء التركيبة الأصح التي يحرّك بها الشخصيات ومدى توافقها مع طبيعة المتلقي. إنَّ من الأخطاء الشائعة لدى المبتدئين افتراضهم أنَّ الجميع يعرفون أهميَّة ما تتكلم عنه الرواية أو القصة وأنَّ قوة الصدمة أو فظاعة الحقيقة ستجعلهم يجرون القارئ إلى الصفحة الأخيرة من الكتاب، ويهملون عن جهل الأفعال المنفلتة للإنسان في تحولاته الخاملة والبيئة اللغويَّة التي تحقق الاسترخاء والشدَّ معاً.
الفضول لا يحرك القراء وإنَّما التشارك. كل أعمال الكتَّاب الكبار تحتوي على مشاهد حمقاء؛ لأنَّنا كلنا هكذا في أوقات مللنا، لكنَّ الأهم من الحماقة هو كيف نكتب هذا وبأي لغة وما نوع الأفعال التي نختارها وأساليب الروي والاستعارات القريبة من الوعي الجمعي.
الأعمال السرديَّة معقدة الجوهر وتحتاج الى صياغة جامعة تكون فائقة الدقة. على الرواية العراقيَّة وأختها المصريَّة أو اللبنانيَّة إدراك العمق النفسي لمتلقيها، فحتى يقرأ اللبناني روايتي العراقيَّة عليَّ تفكيك حواجز التلقي التي تمنعنا من الوصول إلى بعضنا بسلاسة. من هنا أتت الطبيعة الخاصَّة للراوي، فهذا الكائن العجيب هو المرتكز في نجاح العمل الروائي أو القصصي. قبل عقودٍ كثيرة كانت الرواية تحتوي على مثقفين ومشتغلين في الكفاح من أجل أنْ يدسَّ الكاتب أفكاره ويخفف امتعاضه من العالم، لكنَّ هذا لم يكن يحدث مع الرواية العالميَّة في القرنين الماضيين رغم أنَّ الجميع كانوا يتصرفون كمبشرين وأصحاب قيمٍ عليا ويحاربون الظلم الاجتماعي، والسبب في هذا أنَّهم كانوا يكتبون بطريقة تشبه طبائع الناس ويشتقون الهموم العامَّة نفسها.
القراءة متعة معرفيَّة ونحن في الحقيقة نكتبُ الروايات والقصصَ من أجل التسلية، لكنَّ هناك من يبالغ كثيراً في هذا حتى يحوز الكثير من الإقناع ويبرز عبقريته وهذا مشروعٌ جداً إذا ما تمَّ بلا أي خدشٍ للمتعة.