د. سافرة ناجي
مسرح الطفل من الاشكال المسرحية التي تنمي ملكة الابداع والابتكار لدى الطفل عبر الجمع بين التعلم واللعب، باللعب ينمو خياله وتتطور حاسته الابداعية، ولهذا أصبح من الأولويات التربوية في تمكين الطفل وبناء شخصيته، وعلى ضوء المعايير العلمية والفنية لمسرح الطفل تشكلت الرؤية الجمالية لعرض "مملكة الألعاب" تأليف وإخراج محمد حماد وأداء كل من منتظر خضير الساري وقاسم الوالي وحميد عباس وشوقي فريد وإسراء ياسين ومصطفى الطيب.
العرض يخاطب شريحة عمرية ما بين "12-15" عاما، فهذه المرحلة تعتمد الخيال والمثالية في تأسيس وعي الطفل عبر ثلاثية "التعلم واللعب والتأثير". فالعرض يعتمد دلالات التنبيه لمنزلق التأثير التكنولوجي "الهاتف النقال" ودوره في تغيير سلوك الأطفال مما خلف مشكلات صحية واجتماعية.
تبنى العرض فكرة السلوك المتوازن بين تلقي التعليم ووسائل التكنولوجيا، وشغف الطفل به الذي يُشبع خياله المغامر، غير أن هذا الشغف يضمر متناقضين: الأول التعرف المعرفي بيسر, ولكنه في ذات الوقت تعطل مناطق التفكير وعرض "مملكة الألعاب" يعرض هذا التناقض العرض بأربعة مستويات:
النص
فرضيته الجمالية قائمة على ثلاث فرضيات "التاريخ، التكنولوجيا الإنسان" المؤطرة بقيم تربوية تدعو الى التوازن بين الماضي "الألعاب" والحداثة "الهاتف النقال"، منبها إلى خطر الانحياز التام إلى التكنولوجيا، إذ له اضراره مثلما التمسك بالماضي أيضا له اضراره، وقد صير هذه الفرضية في جدلية التنافس ما بين الإنسان "اللعبة" وبين التكنولوجيا "الموبايل" مستعيرا مفاهيم الأنسنة. ولأن بنية النص بنية بريختية فبناؤه الدرامي يبدأ من المشكلة والأسباب وما سينتج عنها، ويشيع فكرة أن لكل عنصر في الوجود حضورا ودورا مهما في دورة الحياة الطبيعية. والكاتب حاكى هذه الفكرة في الجمع بين القيمة الجمالية والتربوية في تنشئة جيل يؤمن بالآخر وبالتطور وبالتاريخ.
الأداء
انزاح الاأاء نحو أسلبة الشخصية، لكي يمنحها الجانب الحسي الذي يمكن له أن يعيد صياغة العلاقة ما بين الإنسان والتكنولوجيا بشكل متوازن، عبر دلالات الصراع بين الألعاب المؤنسنة "الفارس، الجندي، الكابوي، الأميرة" و"الجهاز النقال"، ولأن الأداء عول على المبالغة في الأداء الكوميدي، الذي انزاح إلى التسلية التي اقتربت في أغلب مفاصلها إلى التهريج والوقوع في فخ التوهم الكوميدي أن الانسياق إلى إضحاك الطفل سيخلق تأثيرا عليه، بينما الصحيح هو كيف تجعل من الطفل يقظا يصغي بشكل جيد إلى العرض، لأن الضحك عند الأطفال يشذ بتركيزهم، مما يؤدي إلى انقطاع الاتصال ما بين العرض والأطفال فتذهب الفكرة إدراج الضحك. ما أدى إلى ترهل ايقاع الأداء.
وبسبب المبالغة في الكوميديا وتكرار الحركات مثل السقوط على الأرض والسخرية من بعضهم البعض، كما في مشهد "الفارس مع صاحب متجر الالعاب" وكأنهم في عرض تجاري. غافلين عن أن ذاكرة الطفل كاميرا تلتقط كل ما تراها. وهذا الالتقاط لديها غير قابل للمحو مما يؤثر سلباً على فهم الطفل لمضمون العرض.
لهذا نقول إن الممثل جوهر العرض وحامل رؤاها الجمالية فعندما يجهل الممثل دوره, ولا يعرف ما هي أبعاده فانه يطيح بفرضية العرض. إذ تداخل الأداء بين الدمية والإنسان، وبالذات شخصية "صاحب متجر الألعاب" إذ كان أداءً منسوخًا عن شخصيات الألعاب، ولم يفرز بأنه الشخصية الحكيمة والمرجع المعرفي الذي يمنحه قدرة الاقناع والتوجيه في ترك السيئ نحو الجيد من التفكير، وبسبب انسياقه إلى الكوميديا مما لم يفرز بين مواقف الشخصيات نحو تبني فكرة التفكير الإيجابي.
السينوغرافيا
إن النسق البصري لأي عرض هو المعطى الفني للرؤية الجمالية للنص الفني، والصورة في مسرح الطفل هي الأهم، لأنه تمثل تموضع الابهار والبعد الجاذب له، ففي هذا العرض غًيب الجانب البصري، فكانت السينوغرافيا فقيرة لا تناسب شغف الطفل.
الإخراج
وضع المخرج فرضيته الفنية للعرض على مفهوم اللعب، وأسلب الشخصيات بكاركتر مؤنسن لإدراك غاية العرض في أن التطور لا يعني الالغاء وإنما تطوير ما ورثنا. فعندما نتخلى عن مقتنياتنا سنتخلى عن إنسانيتنا، إذ لابد من تكون التكنولوجيا وسيلة للتطور وليست غاية نفي. فرضية المخرج أنه لا يتم ذلك بالنهي عنه بالقوة، بل بالمناقشة عبر اللعب لإدراك الحقائق بقناعة منطقية، ولكي يحقق هذه القيمة الجمالية اتخذ من الاسلوب البريختي لعرض الموقف ومناقشته بأسلوب المحاججة.
ولأن المؤلف هو المخرج، لذلك هيمنت المدونة النصية، التي مسرح فيها "التاريخ، عالم الطفولة"، إذ يعلن العرض سنروي لكم حكاية الصراع ما بين "التاريخ/ الإنسان" و"الالعاب/ الموبايل"، أصبح "الموبايل" موجها لتفكير وسلوك الطفل المعرفي، وما نتج عن استعماله الدائم من مشكلات جسدية وعقلية.
يناقش العرض هذه الدلالات عبر جدلية الصراع بين الماضي والحاضر بكل تطوراته، كل هذه القيم الجمالية قدمها صانع العرض على ضوء مفهوم الأسلبة "الفكرة وأداء شخصيات الألعاب وجهاز الموبايل" متخذا من التبسيط الرمزي اطارا جماليا بغية تحقيق التسلية والمعرفة، التي تنسجم وروح المغامرة عند الطفل، فهو يقول باللعب المسرحي ننشئ جيلا مفكرا متصالحا مع ذاته ومحيطه.
ولا بد من الإشارة إلى أن شخصية "الموبايل" قدمت أداء متوازنا.. فتحية للفنان منتظر خضير الساري، كما أن العرض كشف عن موهبتين مسرحيتين هما "اسراء ياسين ومصطفى الطيب".