والتر سالس: الأدب والسينما والموسيقى أدواتٌ مذهلة ضدَّ النسيان

ثقافة 2025/01/20
...

 ترجمة: نجاح الجبيلي


إن القصة الحقيقية وراء فيلم "ما زلت هنا"، الذي يروي كيف انقلبت حياة أسرة برازيلية رأساً على عقب عندما اختفى رب الأسرة، وهو عضو سابق في البرلمان، في سبعينيات القرن العشرين، تحمل معنى شخصياً عميقاً بالنسبة للمخرج البرازيلي والتر سالس، إذ إنه شعر بأنه مضطر إلى تصويرها في فيلم. لكنه لم يتوقع قط أن يكون الفيلم الناتج عاملاً للتغيير في وطنه.  قال سالس خلال حديث في جلسة نقاشية: "حين كنت في الثالثة عشرة من عمري، أصبحت صديقاً لأبناء هذه الأسرة الخمسة. لقد كنت مفتوناً بهم، وبحيوية ومودة قلب هذه الأسرة، وبالفرح الذي كان ينبض في ذلك المنزل.

فرحٌ كان حقاً العكس تماماً من الدكتاتورية العسكرية التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت، ولمدة عامين، كنت متأثراً بتلك الأسرة. وفي يوم من الأيام، حدث شيء مأساوي وسُلبت تلك الأسرة من الفرح الذي تشعر به في الفصل الأول من الفيلم. وهكذا بدأتْ الرحلة الطويلة لسرد هذه القصة بعد 40 عاماً".


الماضي والحاضر

وتابع:"لا أستطيع الامتناع عن سردها: كان هناك إلحاح لسردها. ولكن في البداية، كنت أعتقد أننا نقدم تأملاً في ماضينا، لأن السينما البرازيلية لم تنظر كثيراً في فترة السبعينيات. واعتقدت أن هناك حاجة للقيام بذلك، ولكن مع التفكير في البداية أنها ستعكس الماضي. ثم فجأة تغير الوضع السياسي بالكامل في البرازيل والعالم. وأدركنا أننا نصنع فيلماً عن الحاضر أيضاً. وقد أصابنا هذا الإدراك جميعاً، سواء أمام الكاميرا أم خلفها." واندهش سالس وشعر بالسعادة، حين شهد الفيلم منذ عرضه الأول في البرازيل إثارة نقاش مفاجئ. قال: "بدأت دور السينما تمتلئ بالكامل، وأصبح شريطنا هو الفيلم الأول في البرازيل نهاية الأسبوع الماضي، نحن مندهشون قليلاً من ذلك، نعترف بذلك، لأن هناك فيلماً من سلسلة مارفل كان بالمرتبة الثانية"، قالها ضاحكاً. ويستمر بالقول:"ولكن الأهم بكثير من إيرادات شباك التذاكر هو حقيقة أن الناس يعودون إلى دور السينما لتجربة جماعية. الناس يبقون في الفيلم حتى نهاية التترات بالكامل، ويكتبون على وسائل التواصل الاجتماعي عن تجربتهم في قاعة العرض التي كانوا فيها. إنه يتحول إلى نوع من الظاهرة الثقافية والاجتماعية والسياسية. لم نكن نتوقع ذلك. وقد جعلني أفكر الآن أن الأدب والسينما والموسيقى يمكن أن تكون أدوات مذهلة ضد النسيان."


عودة إلى الجذور

بعد سنوات من تحقيق الفيلم البرازيلي المرشح للأوسكار "ما زلتُ هنا"2024 من إنتاج شركة "سوني"، أعاد سالس التعاون مع نجمة فيلمه الأول "المحطة المركزية"، فيرناندا مونتينيغرو، وابنتها فيرناندا توريس، التي تؤدي دور البطولة في دراما مستوحاة من قصة حقيقية عاشها سالس بنفسه في مراهقته في أوائل السبعينيات.

حين عاد سالس إلى البرازيل في عام 1969، كانت البلاد تحت حكم دكتاتورية عسكرية. خلال تلك الفترة، قضى وقتاً مع أسرة يونيش وروبنز بايفا، وكان صديقاً لابنتهم نالو، الثالثة بين خمسة أطفال. قال سالس: "في منزل أسرة بايفا، كانت الأبواب والنوافذ مفتوحة دائماً، وهذا كان عكس ما تمثله الدكتاتورية العسكرية تماماً. كان ذلك المنزل مليئاً بالحيوية والنقاشات السياسية والموسيقى البرازيلية. ما وجدته في ذلك المنزل ساعدني على فهم بلدي بعمق."


القصة على الشاشة

استلهم سالس الفيلم من كتاب مارسيلو روبنز بايفا الصادر عام 2015 بعنوان:"ما زلتُ هنا" تدور القصة حول يونيش بايفا، الأم الناشطة التي اختفى زوجها، السياسي المعارض روبنز بايفا، بعد أن اختطفته الشرطة عام 1971 ولم يعد أبداً.

أوضح سالس أن إعداد الفيلم استغرق وقتاً طويلاً بسبب ثراء الكتاب وتعقيد القصة. وأضاف: "خلال حياته، أعاد يونيش بناء ذاكرة الأسرة الممزقة في الوقت نفسه الذي كانت فيه البلاد تحاول استعادة ذاكرتها من العصور المظلمة إلى الديمقراطية التي تطمح إليها. الرحلة الشخصية والعامة تتداخلان في هذه القصة."


الأداء والممثلون

كان اختيار فيرناندا توريس لتجسيد دور يونيش حاسماً. قال سالس: "الشخصية الحقيقية التي قابلتها لم تسمح أبداً لنفسها بأن تكون ضحية للنظام الاستبدادي. دائماً ما كانت تطلب من الجميع الابتسام في الصور، ما أضاف الكثير من الكرامة وسط العنف الذي تعرضوا له."

أما دور روبنز بايفا، الذي يؤديه سيلتون ميلو، فقد تمحور حول جعله شخصية مركزية، يشعر المشاهدون بفقدانها طوال الفيلم. وأضاف سالس: "كان يجب أن يكون حضور الأب راسخاً بحيث نشعر بغيابه يتردد صداه في بقية الفيلم."