د. كريم شغيدل
إن لم يكن السلاح بيد الدولة، فهذا يعني أن الدولة بيد المسلحين، بل إن الدولة والمجتمع رهينتان بيد القوى المسلحة المتنفذة ما لم تكن بمختلف مؤسساتها صارمة بحصر السلاح بيد أجهزتها الأمنية، فبعد كل ما عاناه العراقيون من وحشية الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة، وبعد كل التضحيات التي كانت كفيلة بالانتصار على الإرهاب، وإلحاق الهزائم بعصابات الضلالة والتكفير من مجرمي القاعدة وداعش ومن لف لفهما، بدأت حركة التسليح تنحسر تدريجياً، فلربما كانت هناك مسوغات لمقاومة تلك العصابات، لكن بعد الاستقرار النسبي للحالة الأمنية، وسيطرة قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية على الموقف، لم يعد هناك مبرر لأي مظهر من مظاهر التسلح.
اتفاق حصر السلاح بيد الدولة الذي تمخض عن اجتماع الرئاسات الثلاث، لم يبقّ حبراً على ورق كما يقال، بل تحول إلى أمر ديواني مقرون بمدة زمنية، وهو قرار صائب وفي محله، ويفترض أن يمتثل له الجميع، وعلى رأس القائمة المسؤولون أنفسهم وطواقم حماياتهم ومواكبهم، والأمر يتطلب تعاوناً حقيقياً من جميع الكتل السياسية إلى جانب قوى المجتمع، عالج الأمر الديواني عدة نقاط حيوية بطريقة واقعية، مشيراً إلى بعض الأحزاب التي تمتلك أجنحة عسكرية، خارج إطار الحشد الشعبي، كما عالج تعدد الولاءات والتسميات بالنسبة لفصائل الحشد، فبحسب القانون أصبح الحشد الشعبي جهازاً أمنياً من أجهزة الدولة، وقانوناً لا بدَّ أن يتخلى عن عناوينه الفرعية لصالح المهنية العسكرية، ويكون مرتبطاً فعلياً بالقائد العام للقوات المسلحة، وفي هذه المرحلة الحساسة نحتاج إلى إعادة هيكلة حقيقية لضبط الملف الأمني والحفاظ على منجزات
الانتصار.
هناك فلول لداعش تحاول إيقاظ الخلايا النائمة في بعض المناطق التي كانوا يعدونها بعيدة عن الأنظار، لكن العمليات الأخيرة لقواتنا الأمنية أثبتت المستوى العالي للقدرات العسكرية والاستخبارية، وفي نقاط التماس مع الإرهابيين لا يمكن لكائن من يكون أن ينكر ما لرجال الحشد المقدس من أدوار بطولية، إذ أصبحوا يشكلون رأس الحربة، وقضية هيكلة الحشد ضمن المؤسسة العسكرية لا يخل بمهماته وواجباته ووجوده كقوة ضاربة، بل سيكون أكثر قوة من خلال إسناده المباشر للمؤسسات الأمنية، واستناداً إلى فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الأعلى السيد علي السيستاني لم يكن الحشد دعوة لتشكيل قوة شعبية مستقلة لمقاتلة الإرهاب، وإنما كان قوة داعمة للقوات العسكرية والأمنية فأثبتت فاعليتها في المواجهة، ومن شروط تشكيلها بحسب الفتوى أن تكون بمستوى الكفائية التي تحددها الحاجة الميدانية واللوجستية لإدامة زخم المعارك، وأن تكون تحت قيادة المؤسسة العسكرية متمثلة بالقائد العام للقوات المسلحة، بعد ذلك لا بدَّ من إجراءات قانونية صارمة لسحب السلاح من أيادي الأفراد والجماعات، بشرائه من قبل الدولة أو بالاستيلاء عليه من خلال حملات تفتيشية، ثم تسهيل إجراءات الحصول على إجازات الحيازة والحمل لمن يحتاج فعلياً، وألا تبقى مقولة (حصر السلاح بيد الدولة) مجرد شعار.