الرسم على الزجاج

ثقافة 2025/01/23
...

 هدى عبد الحر


في بيوتنا القديمة كانت "البوفيات" الخشبيَّة تحتوي على زجاجتين متخالفتين في المنتصف، حيث المعرض الصغير الذي توضع فيه عادة الأكواب الزجاجيَّة، وأطباق الصيني، وكثيراً ما تكون على إحدى هاتين الزجاجتين رسوم جميلة جداً لطائر أو 

زهرة. وكنتُ أعجب كيف يمكن أن نرسم على الزجاج، حتى كبرت وعرفت أنّ فن الرسم على الزجاج من الفنون الجميلة المحببّة للنفس، وربما يكون من أقدم الفنون البصريّة التي أدهشت الرائي، وجعلته يتعلق بالقطع التي تحتوي على هذا الرسم. 

ويبدو أنه نشأ مع مهن أخرى بعيدة عن الفن التشكيلي، إذ رافق النجارة وعمّال البناء، حيث كانت ألواح الزجاج هي اللوحة التي تتشكّل حسبما يرى العامل الماهر. أما الشبابيك والنوافذ فهي بؤرة هذا الفن الرائع، الذي تطوّر وأصبح فناً منفرداً له رواده وعالمه الخاص، بعد أن كان متمماً لفنون ومهن أخرى. 

سمّي قديماً بفن (تقطيع الزجاج) وفن الكنائس، ذلك لأنّ أبوابها ونوافذها عادةً عليها الكثير من هذه الرسوم، وسُمّي كذلك بفن الكاثوليك.

وهو من الفنون التي تتطلب صبراً ودقّة، لأنّ الرسم على الزجاج يتطلب مهارات عديدة، كذلك تحتاج عملية تجفيف اللوحة إلى وقت وحرص كبيرين. 

وتستعمل أنواع كثيرة من الألوان فيه، منها ما يخفف بالماء ويسمّى المائي، ومنها ما يخفف بمادة الثنر ويسمّى حراري أو ثنري. كذلك لا بدَّ من استعمال محدّد الزجاج، الذي يجري تحضيره في المرسم، أو يمكن جلبه من المحلات جاهزاً، إذ يوجد بشكل أنابيب جاهزة ويسمى المحدّد أو (لاينر).

وتوضع اللوحة في إطار خشبي عادة، ولعلّ أهم المصاعب التي تواجه من يعمل بهذا الفن هي تهشم الزجاج، إذ إنّ أي خلل أو سقوط غير متوقع لمادة يمكن أن يُنهي عمل ساعات طويلة. كذلك يجب أن يحصل الرسم في فضاء خالٍ من الغبار والأتربة، التي يمكن أن تختلط مع الألوان، وتؤدي إلى تخريب اللوحة، ولا سيما في الرسوم ذات التفاصيل الكثيرة والألوان الناصعة، فضلاً عن خطورة التعامل مع خامة الزجاج الخطرة التي تسبب الكثير من الجروح، فيما لو تعامل معها الرسام من دون انتباه أو حذر.

وتمتاز عادة الموضوعات التي يتم رسمها على الزجاج بالوضوح، أي مواضيع من الطبيعة الصامتة، مثل الأشجار والأزهار أو مناظر لطيور زاهية الألوان، لأنّ الزجاج بلونه الشفاف وسط ممتص للألوان، لذلك يجب أن تستعمل فيه ألوان صارخة وبتدرجات غامقة. أيضاً هناك مشكلة تحديد الرسم وملء الفراغات التي تحدد اللوحة التي يستعمل فيها المحدد كما ذكرنا 

سابقاً.

والحقيقة أن هذا الفن له مزية أخرى ومهمة ثانية غير المزية الجمالية، وهي المحافظة على البيئة، فهو فن يمكن أن يخلصنا من الكثير من الزجاج الذي يرمى كمخلفات غير نافعة، بل هي ضارة قطعاً لما تسببه من تلوث، فضلاً عن خطورتها على الإنسان، لكن بقليل من التعب يمكن أن تتحول هذه القطع إلى لوحات جميلة. ولكن هذا الأمر يتطلب توعية وترويجاً من نوع خاص، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، المتابَعة جداً التي تجذب الشباب، أو من خلال دروس الفنية في المدارس، لأنّ تحويل أي حاجة فائضة إلى عمل فني أمرٌ ضروري جداً، فهو فضلاً عن تخليصنا من المهملات، يجعل من المتلقي على دراية بالحفاظ على البيئة والحرص 

عليها.