علي حسن الفواز
التأطير النظري للسياسة قد يكون فخاً لتوصيف ما هو واقعي في العمل السياسي، مثلما قد يكون وهماً خادعا لحسابات المصالح والحاجات، فإذا كانت السياسة تُعنى بترسيم عائم لتلك المصالح وبالحاجات، فإنَّ طبيعة الواقع الضاغط سيجعل من تلك العناية نزوعا نحو المغالاة أو الضعف، أو الدخول في متاهات من الصعب معرفة أسرار
نهاياتها..
منطقتنا العربية من أكثر مناطق العالم تسويقا لمفهوم السياسة/ الفخ، والسياسة/ الوهم، وتورطا في صراعات معقدة، والتي كثيرا ما تُبنى على التوهّم في ادراك المصالح، أو البحث عن حمايةٍ ما، أو تماهيا مع نظرية القوى الحاكمة في العالم، وهي نظرية خادعة، لأنَّ تلك القوى لا تملك معايير واضحة للصداقات والعداوات
السياسية..
المواقف العربية إزاء العقوبات الاميركية على ايران، ودفع البعض باتجاه صناعة اجواء حرب معها، يعكس مدى الاخفاق الحقيقي في التعاطي مع المصالح السياسية الواقعية، ومع خيارات الصراع والحرب والحماية، إذ بات الموقف من ايران فاقدا للوضوح، ولصفة العدو المحتمل، ولفكرة الميدان المُرشح للحرب المحتملة، والتي ستكون حربا في الجغرافيا قبل أن تكون حربا في الاقتصاد أو في السياسة، وهذا ما يجعل خطورتها أكثر تجسيدا لأزمة التفكير السياسي، ولمدى قدرة دول المنطقة على تحمّل اعبائها، وعلى مدى أن تكون الحماية الاميركية أو الاوروبية قاعدة ثابتة للتوافق على مصالح مناطقية قابلة للتغيير الجيوسياسي في المنطقة، أو ربما في هوية التحالفات التي قد تتغير، أوالتي قد تحدث مع ايران ذاتها..
صفقة القرن والحسابات السياسيَّة
الاندفاع السريع نحو ما سُمّي بـ(صفقة القرن) يمثل وجهاً من وجوه التورّط السياسي، والتماهي مع خطاب القوة الاميركية، والذي يعكس في جوهره مدى الضعف، ومدى خضوع أجندات القوى السياسية والعسكرية لمعادلات السياسة الدولية، ولقصر النظر في التعاطي مع الأفق المستقبلي للجغرافيا السياسية، والتي لا يمكن الركون الى حساباتها، لأنها منطقة صراع مصالح دولية، مثلما هي منطقة ذات طبيعة ديموغرافية معقدة، وأنّ أيّ صراع فيها يعني وضعها تحت قاعدة النار
المفتوحة.
صفقة القرن خطة أميركية لتعويم القضية الفلسطينية، ولتجريدها من تاريخها، ومن بعدها السياسي والأخلاقي، وتحويلها الى برنامج اقتصادي عالمي يقوم على توطين جماعات معينة، وفي جغرافيات دول الملاجئ، مقابل أثمانٍ مادية لجغرافيات تلك الدول مثل مصر والاردن ولبنان، وأثمانٍ رمزية ذات ابعاد حمائية لدولٍ آخرى، والتي تعني فرض نوع من التحالفات الضاغطة عليها، واخضاعها الى لعبة تبديل تاريخية المنطقة، والى تداول مفاهيمي لقيمٍ تخصّ علاقات هذه الدول مع اسرائيل وأميركا من جانب، أو مع ايران وحلفائها من جانب
آخر.
خطورة هذه الصفقة هو فرض الوجود الاسرائيلي في المنطقة، وتغييب الطابع الاحتلالي والديني للدولة العبرية، مقابل فرض صورة أخرى للعدو في صيغته السياسية الستراتيجية، وربما في صيغته الطائفية، وهو ما يعني دفع الجغرافيات السياسية الى صراعات اثنية وطائفية لا حدود لها، مقابل تحويل المنطقة التي تُصدر 40 % من الطاقة الى العالم الى (ملاذٍ آمنٍ) للمصالح الأميركيَّة، والذي قد يدفع الى صراعات دولية مع دول لها حساباتها في المنطقة مثل الصين وروسيا والهند.
إنّ الذهاب الى صفقة القرن يشبه الذهاب السهل الى تداول مفهوم السياسة/ الفخ، والى وضع المصالح تحت تهديدات قوس النار، أو لعبة الحروب المحتملة، أو الصراعات المفخخة، والمشاكل التي قد تتحول الى نوع من الاستنزاف القهري للطاقات والثروات، ولآفاق التنمية والعمران والتعايش، وفي ارضيته التي تبدو جاهزة، على مستوى تحشيد المنطقة بالترسانات العسكرية، أو على مستوى تأمين وفرة مالية تسند ما يُسمى بالادبيات الأميركيَّة بـ(حماية الحلفاء) وهي حماية مدفوعة الثمن، فضلاً عن ظروف الصراعات الإقليميَّة في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا وفي السودان.