أحمد عبد: تجارب طفولتي حولتها إلى حكاياتٍ في أفلامي

ثقافة 2025/01/27
...

 بغداد: المحرر

درس المخرج الشاب أحمد عبد (1994) المسرح في معهد الفنون الجميلة وتفوق في التمثيل، لكن عينيه ظلتا ترنوان إلى السينما، التحق بمركز الفيلم الذي يديره المخرج محمد الدراجي في العام 2013، اكتسب من خلاله مهارات وتعلم أسرار هذا الفن الساحر. فأخرج أفلاماً قصيرة وثائقية، وبعدها أخرج فيلمه الوثائقي الطويل "القصة الخامسة"، ليكرسه مخرجاً واعداً، صفحة "سينما" التقت صانع السينما عبد، فكان هذا الحوار:

* متى عرفتَ السينما وجذبك سحرها؟

 - عرفت الكتابة ومارستها في التاسعة من عمري، وامتد هذا الحب لغاية اللحظة التي قررت فيها كتابة فيلم سينمائي، يومذاك كان عمري عشر سنوات، وكنت لا أعرف خطوط السيناريو، وكيف يمكن صياغة الحدث وبناء الشخصيات وغيرها من أساسيات السيناريو، لكني اكتشفت أن هناك سبباً في أعماقي، وهو الماضي الذي انطلقت منه، واللحظات التي كتبت بها بينما صوت القصف يخترق جمجمتي سنة 2003.. أعتقد أن هناك أسباباً باطنية أكثر مما هي ظاهرية تكمن في نفوسنا، ولا نعرف حتى ما هي تلك الدوافع التي تجعلنا نتوغل في حب شيء ما.. وهذا ما حصل معي في عشق السينما والعمل في 

صناعتها. 


* هل درستَ السينما؟

- للأسف لم أدرس السينما في المعهد، حيث كان اختصاصي في قسم المسرح، وكنت ممثلاً في بداية المطاف، فتفوقت في التمثيل خلال السنوات الثلاث، وحصلت على أعلى تقييم من قبل الأساتذة، لكنني كنت أريد دراسة السينما منذ دخولي المعهد، فتفاجأت برفض غير مبرر، كما حدث مع الكثير، فالواسطة كان لها أثر كبير حينها على دخول الطالب إلى القسم الذي يريده. لم أستسلم، إذ بحثت عن مكان للسينما، فوجدت "العراقي للفيلم المستقل" التحقت به بحماس، دارساً بشكل مكثف مع ممارسة عملية، إذ انضممت إلى فريق عمل فيلمين طويلين، للمخرجين محمد الدراجي، ومهند حيال، فضلاً عن مشاركتي في بعض الأفلام القصيرة كمساعد مخرج، ومونتير وكاتب كذلك. لمدة خمس سنوات، بعدها عملت بشكل مستقل.


* متى قررتَ أن تكون مخرجاً؟

-أعتقد أن الإخراج السينمائي لم يكن قراراً مباشراً لأي مخرج، فهذا الشيء ينبت باللاشعور، إذ تجد نفسك تقف خلف الكاميرا وتدير فيلمك الأول، شخصياً لم أقرر بشكل مباشر، لكنني شعرت من أعماقي أن لدي تجارب منذ طفولتي يمكنها أن تتبلور وتترجم إلى 

صورة. 


* حدثنا عن فيلمك الأول.. ربما مغامرتك السينمائية الأولى؟

- أتفق مع هذا التوصيف، ففيلمي الأول هو مغامرتي الأولى، فقد أخرجت فيلماً قصيراً، كنت أنا فيه الشخصية الوحيدة؛ كاتباً ومونتيراً، ولم يكن معي    سوى مدير التصوير صديقي سيف الدين، عملنا بشكل منفرد جداً، تجربة بسيطة، سرعان ما عرضتها داخل المركز، فأعجب بها الجميع من طلاب ومشرفين، وقالوا "إن هذا فيلم سينمائي ناضج". بعدها عرض الفيلم في أول مهرجان له في السويد مهرجان مالمو. وكان ذلك قبل إحدى عشرة سنة تقريباً.


* بمن تأثرتَ من السينمائيين؟

- تأثرت كثيراً بالمخرج والكاتب والمنتج الأميركي من أصول لبنانية بتيرانس ماليك، ذلك المخرج الوجودي الغامض، فقد بهرتني لغة التعبير التي يستخدمها في أفلامه، وتدريجياً تجد نفسك تشاهد قصائد كتبها تيرانس ماليك. إذ سحرتني حواراته المختزلة وتأملاته العميقة. 

* هل تعتقد أن السينما صناعة الأفلام أصبحت مؤثرة اجتماعياً وثقافياً؟

- أكيد للسينما تأثير نفسي عميق يتركه صانع الأفلام على من يشاهد أفلامه، وخصوصاً تلك الأفلام غير التجارية النابعة من التجارب الذاتية التي عاشها المخرجون.. أعتقد أن الفيلم السينمائي هو جاثوم يقود صانعه إلى خفايا كان يتغافل عنها، فلهذا ترى بعض الأشخاص بعد مشاهدة الفيلم، يشعرون أن ذلك الفيلم لمس شيئاً ما في أنفسهم. مهما تحدثت عن الفيلم لن أجد ما يكفي من كلمات للحديث بها..


*  كلمني عن فيلمك الوثائقي الطويل "القصة الخامسة"، واختيارك موضوعة الفيلم، والشخصيات وأسلوب سرده؟

حدثنا عن تسويق الفيلم؟ ولماذا لم يعرض جماهيرياً؟ 

- بداية تجربتي في إخراج الفيلم، انطلقت من تجربة شخصية جداً مع صديقي المصور السينمائي سيف، إذ شرعنا في البحث والتصوير بلا خطة أو هدف واضح، وقد أبدو مبالغاً إن قلت إن الفيلم بدأ يعلمني "شوية شوية" إذ بحثنا كثيراً والتقينا بمخرجين وصناع سينما، وتناقشنا معهم، حتى صار خط الفيلم واضحاً، وقد ألقت تجربتي الشخصية يوم كان عمري 9 سنوات، حيث الحرب والقصف على بلدي، إذ لم أكن أستطيع النوم بالليل، فالتجأت إلى الكتابة رغم صغر سني، فكتبت خمس قصص آخرها لم تكتمل، معظم أحداثها تدور حول تلك اللحظة التي احترق فيها العراق قصفاً وتدميراً، لذا اخترت معظم شخصياتي من رحم تلك اللحظات؛ فأبطالي عدنان وأبي ونصار - مواليد2003- ينتمون إلى تلك اللحظة بل غيرت مصائرهم.. ولم يكن اختيار الشخصيات سهلاً، إذ سافرت إلى الشمال باحثاً عن راعي أغنام ومقاتلات كرديات قاتلن ضد داعش، ورغم الجهد والتعب إلا أني كنت مصراً على أن أعمل فيلماً يخصني، ويعبر عني خصوصاً وأنا متأثر بالمدرسة التعبيرية

الشعرية.     


   * كيف سوقت فيلمك؟

  -عرض فيلمي مرات عدة في بغداد، وعلى الرغم من عرضه في أماكن وقاعات صغيرة، إلا أن هنالك عرضاً للفيلم في سينما مول الحارثية.. للأسف ليس لدينا جمهور يهتم بصناعة الأفلام، خصوصاً الوثائقية، وقد تبدو مفارقة أن الناس يعرفونني خارج العراق أكثر من داخله، وهذا طبيعي، فالأفلام العراقية غير منافسة، وهذا يفسر عزوف الجمهور عن متابعة أفلام 

الشباب.

 

  

* ماهي مشاريعك المقبلة؟

 -أعمل على فيلم بعنوان "القصة السادسة"، إذ حصلنا على التمويل منحة من مؤسسة الدوحة للأفلام، ترافقني بالعمل المنتجة والمخرجة البريطانية العراقية الأصل اريج السلطان، وقصة الفيلم تختلف عن فكرة "القصة الخامسة"، وهو فيلم وثائقي هجين بأسلوب جديد، للأسف إلى اليوم نعتمد على المنح، وأحياناً نعتمد على منتجين متعاطفين يدفعون جزءاً من التكاليف، هذه الطريقة الوحيدة التي نحصل فيها على تمويل.. الآن انفتح صندوق دعم السينما وننتظر

الأفضل.