بغداد: رشا عباس
تواجه الأغنية العراقية تحديات كبيرة تؤثر بشكل مباشر في مكانتها لدى الجمهور. فقد غابت الموضوعات المتنوعة التي كانت تميز أغاني الماضي، وأصبحت محصورة في قوالب موسيقية ثابتة وموضوعات تقليدية، ما أدى إلى ضعف تأثيرها على ذائقة المتلقي.
هذا التحول، الذي يعكس قلة التجديد والإبداع، ساهم في تقليص عمر الأغنية العراقية، التي أصبح تأثيرها يقتصر على عدد المشاهدات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعكس في كثير من الأحيان الفضول أكثر من الإعجاب
الحقيقي.
عند استعراض تاريخ الأغنية العراقية، نجد أنها كانت متنوعة بشكل ملحوظ في تناولها لعدة موضوعات اجتماعية وثقافية، بدءاً من الأغاني السياحية وأغاني الأطفال، وصولاً إلى أغاني التوعية الصحية والزراعية وإرشادات المرور.
وقد كانت تلك الأغاني، بحسب الفنان سعد عبد الحسين، تسهم في تنظيم المجتمع وتوجيهه نحو حياة مدنية قائمة على أسس صحيحة.
لكن عبد الحسين، وبحزن، يذكر أن تأثير جيل السبعينيات والثمانينيات ما زال ظاهراً في السلوك الجمعي للمجتمع العراقي، مشيراً إلى أسفه على تدني مستوى الأغنية العراقية في الوقت الحاضر.
ويضيف أن هذا التراجع أدى إلى انزواء المواهب الغنائية وأصحاب الإبداع والتميز، مما أثر سلباً في الفن الراسخ الذي كان يحمل قيماً سامية تُتماشى مع سلوك المجتمع.
اليوم، أصبح الجمهور يتحسر على أغنية عراقية تحمل السمات الكاملة التي كانت تُميزها في
السابق.
أما المطرب محمود أنور، فيؤكد أن الحديث في هذا الموضوع يدخل في متاهات عدة، بسبب تغير ذائقة الشباب الذين اعتادوا على سماع نوع واحد من الأغاني.
فيقول: "الانتقاد لهذا النوع من الأغاني ينعكس سلباً على الفنان، الذي يبذل جهداً لتقديم أغنيات تعتمد على لون موسيقي واحد ومقامات ثابتة مثل الكرد
والنهاوند".
كما يضيف أن الكثير من المطربين الشباب اعتمدوا على الهَجَوزَة القديمة (الكولة)، التي لاقت إقبالاً واسعاً.
ورغم ذلك، يرى أن الفضائيات التجارية ساعدت في انتشار أغانٍ ذات مستوى فني متدن، حيث تُبث هذه الأغاني مقابل مبالغ مالية، دون وجود رقابة حقيقية على المحتوى الفني، ما يؤدي إلى تأثير هذه الأغاني على الشباب، الذين يرددونها
بسهولة.
في هذا السياق، يؤيد الفنان عمر سعد هذا الرأي، مشيراً إلى أن التغيير في الأغنية العراقية لم يقتصر فقط على العراق، بل شمل جميع الدول المجاورة.
ويؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت لها تأثيرات كبيرة على شكل الأغنية الحالية، ويشدد على ضرورة وجود رقابة فنية صارمة لضمان تقديم أعمال فنية أكثر رصانة وقبولاً لدى
الجمهور.
من جانبه، يرى الفنان علي السلام أن هناك بعض الأغاني الجميلة التي تحمل محتوى هادفاً من حيث الكلمات واللحن، لكنها قليلة للغاية ولا تكاد تُسمع.
وهو، كأحد أبناء جيل الشباب، يعبر عن تأثره بالأغاني الرصينة ذات الرسائل السامية، التي من شأنها أن ترتقي بالأغنية العراقية وتضيف لها لمسة جديدة تواصل مشوار مبدعي الأجيال
السابقة.
وفي هذا الإطار، يعمل السلام حالياً على تلحين أغنية بعنوان "الأول بالعشق" على إيقاع الفالس، الذي يُعد جديداً على الساحة العراقية، حيث ينتمي إلى الموسيقى الكلاسيكية والغريبة، ويتقاطع في بعض جوانبه مع مقاطع من أغاني كبار الفنانين مثل أم كلثوم وعبد الحليم
حافظ.