هذه هي الرسالة الثانية التي أوجهها الى الوالي مدحت باشا. ولكل رسالة مناسبة. الرسالة الأولى التي نشرت قبل سنوات كانت عن الفارق بالخدمات بين زمنين يفصل بينهما عشرات العقود من الزمن باتت اليوم ثلاثة قرون. مدحت باشا جاء الى العراق في القرن التاسع عشر وتأسست الدولة العراقية الحديثة أوائل القرن العشرين وها نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين. قلت له في وقتها.. سيّدي “الوالي” مدحت باشا.. هلْ تعرف ماذا كتب عنك عالم اجتماع عراقي اسمه علي الوردي بعد نحو قرن من مغادرتك العراق الذي كنت حكمته سنتين فقط أواخر القرن التاسع عشر “1869ـ 1872″؟. في كتابه “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي” ص 154 يقول الوردي عنك “اسس اول مدرسة حديثة ومدرسة للصناعة ومعملاً للنسيج وحديقة عامة ومستشفى للغرباء ومطبعة وجريدة رسمية”. كما ساعد ”على تأسيس مدينتي الناصرية والرمادي. ووسع مدينة كربلاء، ووضع نظاماً للبلدية في بغداد، وأكمل تعمير القشلة. وأنشأ شركة اهلية للترام بين بغداد والكاظمية. وكذلك حاول أصلاح وضع الأراضي الزراعيَّة وحقوق التصرف فيها”. حصل هذا كله في غضون سنتين فقط يا سيد مدحت ومن دون أنْ تكلـّف خزينة الدولة فلساً واحداً كما يقول الوردي بل من تبرعات الأهالي. قل لي بربك كيف حصل هذا؟!. لو أعدنا قراءة سطور الوردي بتجرّد وقارناها بما يحصل الآن منذ 16 عاماً برغم النفط وملياراته التي تُهدر لأصبنا بستين صدمة وعقدة وجلطة.
إنك لا تعلم يا سيد مدحت بأننا نتحدث عن أرقام مهولة وفلكيَّة. “تعال وشوف يا سيد مدحت”. لستُ أريد أنْ أحدثك عن مئات المليارات المسروقة، بل سأكتفي لضيق الحيز الممنوح لي بفحص تقرير المدقق المالي الأميركي وعبر ما يسمى جهود إعادة إعمار العراق والبالغة 60 مليار دولار أميركي. هذا المدقق واسمه ستيوارت بوين يخبر الكونغرس الأميركي انه “غسل يديه” تماماً لإمكانية أنْ يكون هناك إعمارٌ في العراق. وكل ما خرج به بوين هو أنْ قدم نصيحة مفادها ان “ما يحصل في العراق دروسٌ للتعمير في بلدان أخرى”.
سيدي الوالي أود إخبارك أنه لم يحصل تطورٌ مهمٌ بين الرسالتين. لم نصدر الكهرباء بعد (عيب أقول له نحن في القرن الحادي والعشرين وما كو كهرباء). أبشرك أنَّ البصرة تشرب هذا الصيف ماءً معقولاً لأننا قضينا على اللسان الملحي (عيب أقول له إنَّ الأمطار الغزيرة هي التي قضت عليه). أبشرك أنَّ شركة دايكو.. (ها أشو صنفت سيادة الوالي.. شنو خاف هي اللي سوت الترام بين بغداد والكاظمية أو اللي بنت الناصرية وساهمت في بناء الرمادي بوقت؟).لا لا تغضب أيها الوالي.. الظاهر ليست هي.. مع ذلك أبشرك منحناهم 106 آلاف دونم من بينها الدوانم التي سجلتها حضرتك باسم جدي الثالث مدري الرابع الساكن في منطقة الرضوانية (تندلها انت قرب المطار) قبل أكثر من 150 سنة. أي مطار عمي؟ غضب الوالي ورماني بـ “بطابوكة”. المصيبة إنَّ هذه هي الوحيدة التي تملكها شركة دايكو لأغراض البناء. ومع ذلك فصلنا لها آلاف الدونمات على مقاسها.. يعني “قاط على دكة”.. أفضل تسمية لها هي “طابوكة علاء الدين والاستثمار السحري”.