فاضل ضامد
إن بناء أسلوب فني مميز هو اجتهاد ومثابرة، حيث يتطلب صبرًا وتفانيًا من الفنان للوصول إلى درجة من العمق في أعماله. وإن البصمة الشخصية هي ما يجعل من أعمال الفنان قيمة فنية مميزة ويكسبه مكانة منفردة في عالم التشكيل. لذلك أرى أن ناز علي عولا كانت على دراية واعية أن لها خصوصية في الانحياز نحو الأسلوب والبصمة.
عادة ما يكون اللون منفذا مهما في اظهار روح الفنان المبدعة، ثم تأتي المكملات من حيث الشكل وعناصر العمل. لذا فأن لناز القدرة على خلق جو لوني متجانس حتى وان كان متضادًا أو متناغمًا. هذه المشاعر الهائلة هي ما صنعت هذا الإحساس المرهف بكل أعمالها.
إذ تتميز أعمالها برؤية بصرية ثرية تنقل إحساسًا عميقًا بالمشاعر الإنسانية والارتباط بالطبيعة والأسطورة، وتكشف عن أسلوب يمزج بين التعبيرية والرمزية بتوازن مذهل. حيث تتجلى الرومانسية المفرطة من خلال استخدام الألوان الحالمة. وإن هناك موسيقى عذبة بتوازن بين التونات المختلفة من حيث الشكل واللون وحتى الكتل.
يبدو أن الفنانة تبحث عن تمثيل الانسجام بين الإنسان والطبيعة والموسيقى، حيث الزهور والفراشات، إذ تعمل كوسيط بين الداخل (الروح) والخارج (الطبيعة).
في أعمال ناز نشهد تعقيدًا بصريًا يدمج بين العناصر الأسطورية والرمزية، مثل الكائنات المدمجة بفضاء العمل. ربما هو إحياءٌ للحرية. طغيان بعض الألوان مثل الأخضر يدعو للخصوبة، مما يخلق عالمًا أشبه بالحلم أو الذاكرة الجمعية.
الألوان تشير إلى الثقافة والتراث لوجود غنى لوني ورموز ثقافية. ويبدو أن أكثر الأعمال تسعى لتكريم التراث الإنساني والأصالة. بعض هذه الألوان ترمز إلى الحيوية والدفء. كما أن التركيز على الملمس والتفاصيل يخلق إحساسًا عميقًا بالحضور الجسدي والنفسي للمرأة.
تتقاطع هذه الأعمال في سعيها لاستكشاف الأبعاد الإنسانية والروحية، مستخدمةً اللغة البصرية كوسيلة للارتقاء بالحواس والمشاعر. فالألوان المشرقة، والتكوين المعقد، والرموز الثقافية والأسطورية، جميعها تخلق عالمًا يحمل في طياته قصصًا وتجارب تدعو للتأمل والتواصل العميق. هناك حوار صامت بين الموسيقى والأنوثة، وكأنها تصف إيقاعًا داخليًا يتردد صداه في الكون المحيط. في إحد أعمالها تمثل آلة العزف هنا صوت الروح لامرأة بحضورها المتألق في فستانها المخملي، وتبدو كأنها تجسد الأمل والتجدد، بينما تغرق في حالة من الاندماج مع الطبيعة. الظلال البنفسجية المحيطة توحي بحالة وجدانية عميقة، ربما انعكاسٌ للحزن أو الغموض، مما يجعل اللوحة تحمل بعدًا ثنائيًا بين البهجة والحزن.
تُبرز في أعمال ناز رسالة وجودية عميقة تتحدث عن الاندماج بين الإنسان والكون، وعن رحلة الإنسان في البحث عن المعنى، سواء من خلال الحنين إلى الجذور، الانفتاح على الطبيعة، أو الغوص في عوالم الأحلام والأساطير. كل لوحة تُقدَّم كحكاية منفصلة، لكنها تتشابك مع غيرها لتشكل قصيدة بصرية تلامس أعماق الروح الإنسانية.
فنانة أمام عينيها مساحة ممتلئة بين الجبال المرتفعة والبنايات الشاهقة. مدينتها كأنها عين تتوسط مكانًا ملهمًا، لذلك كانت ناز تمتد مع هذه المرتفعات لتأخذ من علوها مكانًا لكائناتها، رغم أنها تمادت بالوصول إلى عمق الأرض فرسمت الجذور والأشجار المرتبطة بروح الإنسان. فالطبيعة هي أم لوحاتها.
تميل الفنانة إلى التعبيرية بشدة. فنجد نساءها تتوسط العمل وهي مركز الدلالة للأنوثة والجمال، كأن الورد هو الشاعرية التي تثير المتلقي بقصد حتى يتوقف متأملًا للمتعة.
من أعمالها المهمة، والتي أرى فيها قوة الخيال ولغة السرد وكأنها قاصة تسرد لنا موروثنا من خلال لوحة واحدة، هي أسطورة سفينة نوح التي حملت معها الأنواع للحفاظ على أرض الميزوبوتاميا. سفينة الخلاص التي أبدعت الفنانة بتكويناتها التعبيرية وبسلاسة التصميم وامتلائها بالكائنات.
الفنانة ناز ذلك السحر بسماواتها وفضاءات اللوحة والشعور بأنك في عالم غيبي، عالم الحلم والسحر. تقدم تمثيل المكان في الأعمال التجريدية والتعبيرية كإمكانية لاستكشاف عواطف الإنسان وتجربته، مما يتيح للمشاهد التفاعل مع العمل الفني بطرق متعددة. ولهذا، يُعتبر المكان في أعمالها ليس مجرد خلفية، بل هو عنصر فاعل يمكن أن يُثري التجربة الفنية ويزيد من تأثيرها على المتلقي. مجربة ولها أسلوبها المميز كزميلاتها من الفنانات التشكيليات العراقيات. ترسم بوعي وموضوعية، لها خصالها من حيث التكوين والإنشاء واللون.
تستند الفنانة بالأسلوب التعبيري العراقي إلى معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية بشكل مباشر، لها أسلوب قائم على المشاعر العميقة والانفعالات الشخصية. يعكس هذا الأسلوب تجارب وأزمات المجتمع مثل الفقر والنزوح، حيث تظهر هذه الثيمات بوضوح في لوحاتها. وتعتبر أن التعبير عن الألم أو المعاناة بأسلوب درامي هو أداة لنقل الواقع وتحفيز التفاعل العاطفي لدى الجمهور. وتلعب ألوان أعمالها الداكنة والتفاصيل الدقيقة دورًا في إظهار تلك المعاناة، حيث تتجسد مشاهد تمثل شخصيات من المجتمع أو معالم تدمير كرموز للتحدي والصمود، مقدمةً لغة بصرية تحمل طابعًا فلسفيًا ونضاليًا.
يظل اللون في الفن التعبيري أداة لا تنضب من الإلهام والتعبير، قادرًا على تجاوز حدود الكلمات والصور الواقعية. إنه لغة حسية مفتوحة تتيح للفنان والمتلقي استكشاف أعماق جديدة من المشاعر والتجارب. وناز علي مشاركة فعالة في كثير من المعارض. تأثرت بالبيئة والأزياء الكردية. حيث نجد في أكثر أعمالها ارتباطًا وثيقًا مع تشكيلات الزي النسائي الكردي.