قوانين تهدم الدولة

آراء 2019/07/07
...

سالم مشكور
 
قانون هيئة الاعلام والاتصالات الجديد خضع للقراءة الثانية في البرلمان بانتظار التصويت عليه. هذا القانون سيجعل من الهيئة مؤسسة معوّقة، لا حول لها ولا قوة، فتخيّلوا ما سيكون عليه حال أهم قطاعين تتولى الهيئة تنظيمهما. لا أدري كيف أرسلته الحكومة الى البرلمان وقد تم سحبه مراراً بسبب الاعتراضات التي واجهها. كانت المسودة وضعت عام 2009 من قبل أناس يجهلون عالم الاعلام والاتصالات وتطورهما وحاجتهما الى تنظيم مستقل وعقلية مفتوحة بعيدة عن الضيق والمحدودية في الوعي. كثير من المسودات والأفكار تم اقتراحها سابقاً، وبطلب من الحكومة، والعديد من الورش والندوات عقدت داخل العراق وخارجه قدم فيها خبراء دوليون أفكارهم وخلاصة تجاربهم في مثل هذه القوانين، لكن كل ذلك ضُرب عرض الحائط، فقامت الحكومة بإعادة ارسال المسوّدة السابقة بعد تغيير تاريخها.
المسودة الحالية كتبت بعقلية لا تفهم القطاع الخاص، ولا متطلبات الاعلام الحر، وبعض المعنيين وضع رأيه فيها وعليها من دون أن يطّلع على تجارب دول متطورة. إحدى السيدات تعاملت بعقلية الضرائر لمجرد انها تعمل في وزارة الاتصالات وهدفها نقل صلاحيات الهيئة في هذا المجال الى الوزارة، ونائبة في البرلمان تريد نزع صلاحية تنظيم الاعلام من الهيئة مدعية أن “لا وجدود لسلطة تنظّم الاعلام في الدول الديمقراطية”، فهي خلطت بين وزارة الاعلام وهيئة لتنظيم الاعلام، ولم تكلّف نفسها البحث في تجارب دول ديمقراطية عريقة لترى مثلا أن هيئة الاعلام والاتصالات الأميركية (FCC) وهيئة الاعلام والاتصالات البريطانية (OFCOM) هما من أهم المؤسسات الدستورية واسعة الصلاحيات في تنظيم قطاعي الاعلام والاتصالات وهما بديلتان عن وزارتي الاعلام والاتصالات في الأنظمة المركزية غير الديمقراطية، والعاملون فيهما يتمتعون بمخصصات وامتيازات عالية لحساسية دورهم، وليس مساواتهم بموظفي الدولة كما يسعى لذلك القانون الجديد والذي سيفرغ الهيئة من كوادرها التي راكمت خبرات سنوات طويلة. 
تجارب الدول الديمقراطية أثبتت نجاح هذه التجربة، ونحن مطالبون بأن نقتبس التجارب الناجحة بدل بقائنا نتخبط في الفوضى والجعل وضيق النظر.
مشكلتنا التشريعية أن كثيراً من القوانين توضع وتُشّرع ُ من قبل قليلي خبرة لا يستعينون بالخبراء، أو بسبب مناكفة سياسية أو حزبية أو شخصية، أو بعقلية قديمة لا تستوعب متطلبات النظام الديمقراطي واقتصاد السوق، فيما يجتهد البعض في إمرار مشاريع قوانين والمصادقة عليها لمجرد أن يقول انني أنجزت قوانين.
يا سادة: مهمّ أن نضع القانون، لكن الأهم أن يكون القانون ملبيّا للغرض منه، وأن يكون بانياً للدولة ومؤسساتها، ومحققا للعدالة، وليس العكس.