عبدالله الجيزاني
تتشكل الحكومات في معظم النظم الديمقراطية العريقة من فريقين؛ واحد يحكم وآخر يعارض.. ولكل منهما برنامج لأداء مهامه، ضمن منهاج وخطة عمل واضحة ومحددة, وهكذا يصبح التوازن سمة بارزة ومميزة من قبل المواطن، الذي يقيم كلا الطرفين بناءً على أدائه.
الحكومة تقدم برنامجها ليحصل على موافقة ومباركة “فريق الموالاة, والذي يتشكل من كتلة أو أكثر, تختار رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، لتقوم المعارضة حينها بمتابعة خطوات تنفيذ البرنامج الحكومي، وتبحث عن الثغرات في الأداء في محاولة لتقويم إداء الحكومة, أو استهدافها كحل أخير وصولا لإسقاطها إن تطلب الأمر ذلك.
العراق ما زال يحبو في طريق الديمقراطية, بعد سنوات طويلة من الديكتاتورية والتفرد والحزب الواحد, الأمر الذي أنتج ديمقراطية عرجاء لأسباب عدة, أبرزها عدم وضوح مفهوم الديمقراطية, لدى معظم الأحزاب والتيارات, لذا شكلت نفسها بهدف السلطة والوصول إليها بأي ثمن واي طريقة.
هذا أنتج ممارسات فوضوية بعنوان الديمقراطية.. وصار مفهوم الصفقات والمساومات بديلاً للمشاركة، ليصبح الجميع مشاركاً نهاراً معارضاً ليلاً.. فالجميع مشارك بالمغنم متبرئ من المغرم، ليبقى شخص رئيس الحكومة يتحمله بمفرده، ما أنعكس على فهم المواطن وولائه ووعيه، لتسود المصلحة على حساب الوطنية, والشعارات والخطابات على حساب المشاريع المنقطة الواضحة.
اليوم في محاولة للإصلاح أعلنت المعارضة.. وعرفت عن نفسها على أنها معارضة سياسيَّة دستوريَّة وطنية بناءة؛ تعمل على تشخيص الأخطاء وتراقب الأداء وفق البرنامج الحكومي المعلن، وتصفق وتشجع النجاح.
بينت أيضا أنها معارضة للحكومة لا للدولة والنظام السياسي.. في مفهوم مطور وجديد في ممارسة المعارضة؛ وفسرته بأنه يتناسب مع الظروف المعقدة للعراق والمنطقة.
بعض المتابعين يغمز المعارضة ببعض الاعتراضات, منها؛ أنها تمتلك مواقع ومناصب بل وتطالب بهذه المواقع في الدولة كالدرجات الخاصة والهيئات, وهو نقد فيه وجاهة شكلية.. وكان رد المعارضة بأن هذه المواقع هي الدولة الثابتة التي لا تتبدل مع تغير الحكومة أو المعارضة.. فليس من المنطق تحديد الثابت بناءً على متغير, كون نتائج الانتخابات التي تحاول الكتل السياسية المشكلة للحكومة اعتبارها مقياساً لتوزيع مواقع الدولة متغيرة من دورة لأخرى، فالفائز اليوم قد يصبح خاسراً غداً، أما مواقع الدولة فهي ثابتة بغض النظر عن الانتخابات ونتائجها, وجهة الحاكم والمعارض.. وهو جواب منطقي أيضاً.
تطرح المعارضة مفهوما تعتقد بصحته, وهو ترك الخيار لرئيس الحكومة لاختيار أصحاب الدرجات الخاصة وفق مفهوم التوازن المكوناتي والسيرة الوظيفيَّة والمهنيَّة, وهو رأي لو طبق.. لحصل تغيير هائل في كفاءة عمل الجسد الحكومي.
الإشكال الآخر الذي يطرح على المعارضة أنها لم تعلن عن نفسها إلا بعد مفاوضات تشكيل الحكومة, ما يفتح باب التشكيك بان السبب هو عدم حصولها على الوزارات والمناصب التي تسعى إليها، وكان الرد بأنها دعت لكتلة معارضة وأخرى حاكمة منذ العام 2012 وكررت ذلك مراراً قبل انتخابات الدورة الحالية وبعدها، وحتى بعد إعلان تحالفي الاصلاح والإعمار والبناء واقترحت أن من يتمكن من تحقيق الأغلبية من التحالفين يذهب لتشكيل الحكومة بينما يقود الآخر المعارضة.
بين هذا وذاك يقف المواطن الذي لا تعنيه هذه السجالات السياسية كثيراً بقدر تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي ثم السياسي، تمهيداً للانتقال إلى تشكيل الدولة العادلة والخادمة للشعب وفق المعايير
المعروفة.
عندما يقف المتابع المنصف بين الأطراف الثلاثة “المعارضة ومنتقديها والمواطن” حتما سينحاز للمواطن كونه الهدف والغاية وما سواه وسائل.
تحقيق ما يطمح إليه المواطن يحتاج لوضوح بالرؤية ودقة التشخيص, لتحديد التقصير والقصور بين المتصدين لإدارة البلد، وهذا يحتاج لفرز الخنادق وتحديد المسؤوليات.. الحكومة والكتل المشاركة فيها وكيفية أدائها وفق البرنامج الذي أعلنت عنه، والمعارضة وبرنامجها وكيفية متابعتها لأداء الحكومة والبدائل التي تقدمها لإنجاز المهام.. على أن تراعي المعارضة المعرقلات الحقيقية والظروف المحيطة بالبلد والتحديات الداخلية والخارجية.
كذلك عليها أن تمنع دخول أي كيان سياسي لديه وزارة في الحكومة في صفوفها بما أنها رفعت راية التأسيس، وتبتعد عن أساليب التوهين والتسقيط والشخصنة وخلط الأوراق, وبالتالي يفقد المواطن بوصلة التقييم من جديد.. والحكومة بدورها مطالبة بتوفير الأجواء التي تمكن المعارضة من أداء دورها وفق الأسس الدستورية الديمقراطية.
وفق هذه الخيارات فقط, ربما ستبدأ مرحلة جديدة في العملية السياسية في العراق نقطف ثمارها في الدورة القادمة
عام 2022.