حسين الذكر
احتفلت نقابة الصحفيين الموقرة ومعها زملاء المهنة الأكثر متاعب في عيدها الأغر المصادف 15 حزيران من الشهر الماضي تزامناً مع ذكرى صدور أول عدد من جريدة الزوراء عام 1869 في العهد العثماني، إذ كان العراق يقبع تحت هيمنة قوسي الثلاثي الخطير (الجهل والمرض والفقر)، إذ يعاني الناس ويلات الاحتلال وتبعية البلد وصرف خيراته نحو مقر السلطان آنذاك، في مسألة تعدُّ طبيعية وتنسجم مع فلسفة ومضمون كل الاحتلالات عثمانية أو صفوية أو بريطانية أو أميركية. فمنطق الاحتلال واحد يتمثل بنهب الخيرات والمحافظة على المصالح الحيوية للمحتل بمعزل عن آلية وطبيعة الأساليب المتبعة لتحقيق تلك الأهداف. وقد صدرت الزوراء كجزء من مشروع الإصلاح المتأخر الذي قاده الوالي مدحت باشا ومثلت طفرة نوعية في الواقع العراقي وأثرت فيه بمجالات عدة منها الثقافي والاجتماعي والإعلامي والسياسي.. وامور أخرى متعددة، جعلت من الصحافة حقاً سلطة رابعة لا يمكن الاستغناء عنها ولها هيبتها منذ ذلك اليوم وحتى يوم قريب.
بذات المناسبة من العام 2008 كنت من المكرمين في الاحتفالية آنذاك بدرع الصحافة كمبدعٍ، وقد حضر آلاف الصحفيين في فندق المنصور على إثر سماع خبر مفاده ان رئيس الوزراء آنذاك (نوري المالكي) أمر بمنح الصحفيين قطعة أرض كلاً حسب مسقط رأسه أو عمله، وقد فرح ورقص وهتف الزملاء وعزفت الموسيقى الوطنية وهتفت الشعارات وألقيت القصائد بالمناسبة، وفرحنا وتصاعد مد الأمل والتفاؤل بتحسين حال الأسرة الصحفية تماشياً مع ميزانية العراق الانفجارية ووعود الحكومة والسياسيين والقيادات بمختلف توجهاتها: (بأنَّ الصحفي شريك أساسي ببناء العراق ويعد من أهم سمات حرية وديمقراطية العهد الجديد).. وراح الصحفيون يحلمون بخيرات كثيرة خصوصاً بعد صدور قانون حرية الصحافة لاحقاً الذي أقره البرلمان وأصبح مادة دسمة للنقاش والحوار سيطرت على حيز كبير من المشهد الصحفي والإعلامي. الغريب إنَّ الصحفي العراقي بجمعه الأغلب وجد نفسه بعد عقد ونصف من الديمقراطية مفلساً مجرداً إلا من هوية النقابة بكل اعتزاز رمزيتها وانتمائيتها كأسرة
صحفية.
قطعاً وزعت الأراضي حسب توجيه الحكومة لكنها شملت المحافظات فقط، وقد استفاد الزملاء هناك منها الشيء الكثير، أما صحفيو بغداد فما زالوا الى اليوم يعانون بلا احم ولا دستور.. حتى الألف والخمسمئة قطعة التي حصلوا عليها وزعت في منطقة نائية لا تصلح للسكن وسعرها لا يساوي حتى أجور متابعة إجراء معاملتها وتسلم سندها. كذلك قطعت عنهم منحة المليون دينار التي كانت تصرف كمساعدة سنوية برغم زهد مبلغها، إلا أنها تشكل لأغلب الصحفيين نوعاً من المساعدة تستحق الانتظار لعامٍ كاملٍ.. فضلاً عن عدم شمول الصحفيين بأي سلفة تمنح لهم بعنوانهم الصحفي مفترض التميز - لا سلفة لا ثلاثة أو خمسة ملايين موجعة القلب ومجلبة الهم - كسلفة حقيقيَّة بمبلغ يليق بدوره ورمزيته ويمكن لها أن تساعده على تحسين دخله وواقعه ومسكنه ومعيشته.
قبل كم يوم زرت نقابة الصحفيين بمقرها البهي على شاطئ دجلة الخير لغرض تجديد هويتي كإجراء سنوي معتمد وفقاً لأوامر النقابة، وقد فرحت كثيراً حينما استقبلني الزميل العزيز الحاج صبحي فاخر مدير إدارة النقابة بابتسامته وبشاشته المعهودة وهو يستقبل ضيوفه ومراجعيه بطريقة خففت وطأة معاناتي الصحفية، إذ شكوت له حالنا التي أصبحنا فيها نكتب بلا أجور أو مكافآت جراء الظروف الصعبة التي تعانيها الصحافة الورقية برغم خطها المعتدل والمساند للعملية السياسية والمحافظ على الثوابت الوطنية. كذلك لم يبق للصحفي العراقي في جوهره وبعيداً عن زيف الشعارات إلا شرف الانتساب الى الأسرة الصحفية والهوية التي أعتز برمزيتها جداً وتبقى تشكل حافزاً إبداعياً ليس في الصحف فحسب بل وفي مجالات الحياة الأخرى. على أمل أنْ يلتفتَ المسؤولون والحكومة بضرورة دعم الصحفيين العاملين حقاً بطريقة ما تخفف من معاناتهم.. والله ولي التوفيق!