يشكل الحشد قوة عسكرية ضاربة بتعدادها البالغ أكثر من 170 ألف مقاتل والذي تأسس بفتوى مباركة من قبل المرجعية المباركة في النجف الأشرف، إذ حققت تشكيلاته نتائج ميدانية أكثر من ناجحة في حرب التحرير التي خاضتها ضد أخطر عصابة إجرامية تمكنت ونتيجة لظروف وأسباب عديدة غير طبيعية من السيطرة على أكثر من ثلث مساحة البلاد.
وقد شكل هذا الدور القتالي الناجح والكبير والمتميز حساسية سياسية لبعض الدول والأطراف في المنطقة والتي حاولت تجريد الحشد من هويته الوطنية وإلصاق الثوب والطابع الطائفي على دوره بالرغم من أنه يضم في تشكيلاته العديد من مكونات الطيف العراقي والتي عملت هيئة الحشد على تشكيلها لكي تقوم بدورها الوطني في حماية مناطقها والمساهمة في تحريرها.
تنظيم الحشد الشعبي ضمن تشكيلات القوات المسلحة وجعل القيادة والسيطرة على التشكيلات المكونة للحشد خاضعة لأوامر السيد القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء يمثل خطوة صحيحة ومطلوبة من أجل ضبط الوضع الميداني والسيطرة المركزية على حركة قطعاته وتوجيهها نحو مناطق العمليات بحسب تقديرات الموقف الميداني ومتطلباته، فضلاً عن قطع الطريق على الجهات المغرضة التي تحاول تسييس ملف الحشد واستغلاله للإساءة الى الدولة العراقية ومحاولة انتهاك سيادتها.
الرغبة في ضبط وضع الحشد الشعبي من دون إلغائه أو تجريده من سلاحه وهو أمرٌ مرفوضٌ تماماً يتفقُ عليه جميع العراقيين حكومة ومواطنين بوصفه القوة التي غيرت بالتعاون مع القوات المسلحة العراقية معادلة الصراع مع عصابات داعش الإرهابية، حين اكتسحت أصعب المناطق التي كان يتحصن بها التنظيم الإرهابي ونجحت في استعادتها منه وبنجاح كبير وبأقل عدد ممكن من الخسائر، بل إنَّ الحشد الشعبي قد كان قادراً على ملاحقة ومطاردة فلول داعش في عمق الأراضي السورية وخصوصاً المتاخمة منها للحدود العراقية لولا ممانعة واشنطن وعدة أطراف إقليمية في المنطقة كانت تخشى من دور الحشد في هذا المجال، ما جعل قوات الحشد وبتوجيه من الحكومة العراقية تكتفي بحماية المناطق الحدودية والاكتفاء بالتواجد في الشريط الحدودي لمنع تسلل عناصر داعش من جديد الى الأراضي
العراقية.
استجابة قيادات الحشد ومقاتليه لأوامر السيد رئيس الوزراء وترحيبها بهذا القرار إنما تؤكد أنَّ فصائل الحشد الشعبي هي فصائل وطنية تحترم النظام والقانون وتوجيهات وسياسات الدولة ومصالحها الستراتيجية ومراعاتها لذلك. وقد أبدت قيادات الحشد استعدادها لتنفيذ أية توجيهات صادرة بهذا الخصوص وان سلاح الحشد هو لحماية البلاد وليس موجهاً ضد أي أحد أو للتجاوز على الأمن والنظام والقانون.
يعدُّ الحشد من القوّات العسكرية المتقدمة والمتفوقة في المنطقة وفق الاعتبارات والمعايير العسكرية، إذ يجمع في تكتيكاته الأساليب القتالية للجيوش المحترفة والقوات غير النظامية، وهو في تجربته إبّان الحرب على عصابات “داعش” الإرهابية، قد كانت له عزائم وحماس واضح، وصنع التأثير الفاعل والبارز في هزيمة أكثر التنظيمات الإجرامية والإرهابية في العالم والتي كانت تمتلك إمكانيات قتالية وتسليحيَّة وخطوط إمداد لا يستهان بها، في معارك سريعة وخاطفة تكللت بالنصر في مناطق جرف النصر والرمادي والفلوجة وسامراء وصلاح الدين والموصل.
ومن الواضح إنَّ الأمر الديواني بإعادة هيكلة الحشد يحتاج الى آليات وسياقات تسمح باحتواء تشكيلات الحشد ضمن الإطار العام للقوات المسلحة وإدخاله في التراتبيَّة العسكرية من حيث الرتب وسياقات الأوامر والمقرات والقيادات التي تخضع لها والتي من بينها تشكيل هيئة أركان خاصة بقوات الحشد تتولى إدارة هذه القوات وتنظيم تنقلاتها وتموضعها وبحسب أوامر وتوجيهات السيد القائد العام ورئيس
الوزراء.
عملية إعادة التنظيم أخذت بنظر الاعتبار بأنَّ الفصائل التي لا تلتحق بالقوات المسلحة ضمن هذا التوجيه فستتحول إلى تنظيمات سياسيَّة خاضعة لقانون الأحزاب وتعليماته، ويمنع أنْ تحمل السلاح إلّا بإجازة حكومية لمقتضيات حماية مقراتها ومكاتبها، إضافة الى غلق جميع المكاتب الاقتصادية أو المصالح المؤسسة لها خارج الإطار الجديد للحشد على أنْ يُصدر لاحقاً أمرٌ خاص بـهيكلة الحشد وتشكيلاته وفق هذه الاعتبارات والسياقات.
ومن الواضح أنَّ الهدف من هذه الخطوة هو ضمان تحصين الهيئة ومراعاة انسيابية عملها وضمان حقوق أبنائها وخصوصاً الشهداء منهم، فضلاً عن انه قرارٌ يحمل في توقيتاته رسائل عدّة إلى داخل العراق وخارجه عن أنَّ الحشد قوة وطنية منضبطة وسلاحها خاضع لأوامر الدولة، وهو في النهاية يصبّ في مصلحة مؤسسة فرضت حضورها ميدانياً ثم سياسياً، طوال السنوات الخمس الماضية وحققت إنجازات ميدانية وخدمية لا يستهان بها وقدمت من التضحيات ما يستحق الفخر والاعتزاز
والتقدير.