التطبيع والتوطين لقاء اطفاء الدين العام
قضايا عربية ودولية
2019/07/09
+A
-A
بيروت / جبار عودة الخطاط
بعد أن أصبح الحديث عن صفقة القرن سافراً على السطح ودونما مواربة وبعد أن أصبحت بنود الصفقة معروفة اثر قصدية تسريبها من قبل كبير مستشاري ترامب وصهره جاريد كاشنر
بلملمة «دويلة» فلسطين (المقترحة) بموجب الخطة بالإفادة من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تبقى «المستوطنات اليهودية» الموجودة تتنفس إسرائيليتها القائمة، فضلاً عن بقاء كامل القدس المحتلة بشقيها تحت سيطرة تل أبيب
وبعد أن أشارت الخطة صراحة الى عدم السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين أي تفعيل مسألة توطينهم في الاردن ولبنان، يقف المراقبون إزاء ما يطلبه القيّمون على الصفقة من لبنان وقدرة لبنان على التعاطي مع تداعيات الصفقة على الواقع اللبناني.
الدور المطلوب
يتساءل مراقبون عن الدور المطلوب للبنان في صفقة القرن ومدى محوريته بينما يذهب آخرون الى هامشية هذا الدور وأن ثمة تضخيما ومغالاة في تصور الوظيفة المرسومة للبنان في تنفيذ أجندة الصفقة المرتقبة فما هي علاقة اللبنانيين بالصفقة؟ يتأرجح الاعتقاد لدى اللبنانيين بين محورية أو هامشية هذا الدور وعن كيفية التعاطي اللبناني مع تداعياته والآثار المترتبة عليه.. تقول المصادر القريبة من فريق 8 آذار الذي يقوده حزب الله إن اللبنانيين يمتلكون القدرة في حال وحّدوا مواقفهم ورفضوا تحمل تبعات هذه الصفقة، على إجهاض المشروع، أو التقليل من منسوب نجاحه في ما يتصل بالشق اللبناني من الصفقة ، لأن الضرر الذي سيطال لبنان سيكون أكثر من غيره، وسيجد لبنان نفسه مضطراً الى تكبد فاتورة الثمن الأكبر والأغلى، لاسيما في ما يتعلق بشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من مخيّمات لبنان إلى أرضهم، مع ما يفرضه من توطين وبعثرة التوازن الطائفي اللبناني المعقد الذي غالباً ما ينفتح على شفير أزمات يمكن أن تطل برأسها في أي وقت.
الأمر الواقع!
ويشدد مراقبون على أن كل ما مطلوب من بيروت يتلخص في الإذعان للأمر الواقع الذي تخطط صفقة كاشنر لتكريسه بقبول توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال التلويح بمغريات مالية من خلال الضغط على عصب الأزمات الاقتصادية الكبيرة وكتلة الدين العام المتضخمة والتي تقدر بمئة مليار دولار.
هذا الأمر أثار ويثير خشية المسؤولين اللبنانيين اذ أبدى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون مخاوفه خلال لقائه الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريس في ايلول الماضي من أن يكون وراء قرار واشنطن بحجب الإعانات عن منظمة «الاونروا» الخاصة برعاية النازحين الفلسطينيين نزعة أميركية جامحة في توطين الفلسطينيين في الدول التي لجأوا اليها.
احتدام الصراع
وبينما يحتدم الصراع في الشرق الأوسط، فإن خطوات التمهيد لخطة جاريد كوشنر تجري على قدم وساق، (لإغلاق) ملف القضية الفلسطينية بالتوازي مع تشديد الادارة الأميركية الضغوط والعقوبات والحصار الاقتصادي على إيران والقوى السياسية اللبنانية القريبة من طهران. فواشنطن تهدف من سياستها الجديدة تحجيم دور ايران تحت ذريعة التهديد الإيراني لحلفائها في المنطقة ما يعني ان هذه الصفقة تمضي بتكوين ائتلاف أميركي- إسرائيلي عربي لعزل إيران وحلفائها في مرحلة مقبلة، بغض النظر عن إمكانية تحقيق ذلك من عدمه وهنا يتمثل الدور اللبناني في صفقة القرن بمساحة أكبر من استيعاب اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم ليأخذ مديات أكبر.
مغريات مالية
في هذا السياق نشر موقع «المونيتور» تقريراً مهما أعدّه المحلّل السياسي ميشال كرانز، تطرق الى أسباب رفض لبنان لصفقة جاريد كوشنر، مستشار دونالد ترامب وذكر الموقع أنّ البيت الأبيض أعلن في أواخر حزيران عن الجزء الاقتصادي من صفقة القرن التي تضمّ استثمارات بقيمة 50 مليار دولار، معظمها ستذهب الى الأراضي الفلسطينية على أن تنفذ خلال 10 سنوات، بينما سيتم منح باقي الأموال لمصر ولبنان والأردن.
ووفقا للمونيتور، سيقدّم القيمون على الصفقة 6 مليارات دولار للبنان، وبموجب هذه الخطة يتم ربط لبنان بغزة والضفة الغربية وأجزاء أخرى من المنطقة، ويُزعم أنها ستعزز البنية التحتية المتهالكة والمواصلات والتجارة وقطاع السياحة في لبنان ولفت الموقع إلى أنّ عددا من اللبنانيين أعربوا عن مخاوفهم من أن صفقة كوشنر ستلزم لبنان بتجنيس لاجئين فلسطينيين من بين الموجودين في لبنان والبالغ عددهم 450 ألف لاجئ، وهو أمر أشار اليه كوشنر خلال مؤتمر عقد في 3 تموز الحالي.
رسائل أميركية
بدوره أشار رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة الى ان الخطوات الأميركية التي سبقت الإعلان عن الصفقة، خصوصاً قطع التمويل عن وكالة “الأونروا”، كلها رسائل أميركية تدعو لبنان ودولا عربية أخرى لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين. وشدّد على أنّ لبنان سيبقى ملتزما بحلّ الدولتين ولن يقبل بأي أمر يرفضه الفلسطينيون.
وأضاف: “مطلبنا هو استعادة الأرض مقابل السلام، ولا يمكن استبدال الأرض بالمشاريع التنمويّة، فأي مبلغ من المال سيُصرف، وتبقى الأرض وحقوق الشعب
الفلسطيني”.
الباحث مهند الحاج علي، من مركز كارنيجي قال “إنّ ثمن التوصل إلى تسوية تشمل توطين اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون أكثر مما تقدمه خطة كوشنر، فلطالما جرى الحديث عن التوطين مقابل سداد ديون لبنان”مشيراً الى ما ذكرته “هآرتس” عن أنّ بعض الديون قد تُلغى.
التطويع البارد
وترى مصادر مطلعة أن واشنطن كما يبدو لا تفصل بين ملفات ترسيم الحدود اللبنانية- (الإسرائيلية) وبين الموقف اللبناني الرسمي من صفقة القرن وبين ملف التنقيب عن النفط والغاز في لبنان فمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد تأرجح في زياراته المتكررة الى بيروت بين التفاعل الإيجابي والتعاطي السلبي مع قضية الحدود ولم يكن مجرد وسيط بين طرفين كما حاول أن يسوق دوره بينما لمس المعنيون تشدداً أميركياً في ملف الترسيم منسجماً مع المطلب الاسرائيلي، وبالتالي فإن ما تقدم تضعه المصادر نفسها، في إطار التمهيد الممنهج و”سياسة التطويع البارد” لقدرة لبنان على تلقف ما هو مطلوب منه في صفقة القرن وبموجب هذه الوقائع يستقرئ المعنيون ما مطلوب من بيروت بما يلي:
- أن يبقى لبنان في مربع الدفاع الإنكفائي الذي يحول دون استمرار المقاومة اللبنانية من أن تكون جزءاً من مقومات إسقاط صفقة القرن.
- تأمين صيرورة التواصل مع الجانب الإسرائيلي والالتحاق ولو بشكل غير مباشر في لعبة التطبيع التي تمارسها أطراف خليجية وعربية ولو من خلال ايجابيات ملف النفط والغاز.
- إبداء الليونة اللازمة بشأن توطين الفلسطينيين كثمن لعدم سقوط لبنان في هاوية مديونية اقتربت من 100 مليار، وهو استثمار واضح في معاناة بيروت الاقتصادية.
- التضييق على عوامل قوة لبنان المقاوم حتى لا يبقى لـ”حزب الله” أي مبرر ستراتيجي للتمسك بسلاحه.
تشديد الضغوط
وعليه فان الحراك الأميركي الفاعل تجاه لبنان والذي تزامن مع زيارات أوروبية خصوصاً من بريطانيا تجسدت بزيارتي وزير الدولة اليستر بيرت وكبير موظفي وزارة الدفاع السير جنرال نيكولاس كارتر، يندرج في سياق تشديد الضغوط على لبنان لتطويعه بحيث يسير في ركاب الصفقة المذكورة ولا يشكل عامل تعويق في سبيلها وبينما تشكك بعض الأوساط بقدرة الحكومة بمكوناتها كافة على أخذ المبادرة لمواجهة ما يحضّر للبنان، فإذا شقت الصفقة طريقها نحو التنفيذ فانها لن تكتفي بتوطين اللاجئين فحسب إنما ستكون مقدمة لتوطين النازحين السوريين، الامر الذي سيدفع ساسة لبنان على اختلاف توجهاتهم الى توحيد الموقف لمواجهة هذا المخطط والتصدي له والتمسك بستراتيجية المقاومة خاصة وأن المعنيين على حد سواء يدركون خطر التوطين وهو الملف الحساس في معترك
السياسة اللبنانية!.