علي حمود الحسن
في حفل الأوسكار لعام 2025، حصل فيلم 'الوحشي' على ثلاث جوائز، أبرزها جائزة أفضل ممثل خطفها ادريان برودي، وهي الثانية له بعد فيلمه الذي لا ينسى " عازف البيانو"(2002) لرومان بولانكسي، وكلا الفيلمين موضوعهما " الهيلوكست" واليهودي العبقري الناجي، مع فارق أن فيلم بولانسكي لم يكن دعائيا فجا في توظيف أسطوانة" المحرقة"، على النقيض من " الوحشي"، الذي أخرجه برادي كوربيت.
يستند الفيلم" إلى أحداث خيالية، حيث رحلة المهندس المعماري المجري اليهودي لازلو توث(ادريان برودي)، الفار بحرا من "المحرقة" النازية إلى اميركا، تاركا زوجته وبنت أخته زوفيا (رافي كاسيدي)، التي تتعرض للاغتصاب، فتصمت احتجاجا على ما يحصل لها، يصل توث إلى امريكا، بعد رحلة كابوسية في قبو سفينة، وتنتعش أحلامه في الاندماج والعمل على استعادة اسرته العالقة، لكن سرعان ما يكتشف قسوة وتوحش بلاد الاحلام، ينهمك في اعمال خطيرة وغير مناسبة، وينغمس في تعاطيه المخدرات وارتياد بيوت المتعة، يلتقي برجل الأعمال هاريسون (جاي بيرس)، الذي ينتشله من واقعه المهين، ويكلفه بتصميم صرح عملاق على قمة تل ليكون كنيسة، أو مجمعًا تأمليًا، تخليدا لروح امه، فيصب فيه لازلو اغترابه ورؤيته المعمارية التي تعكس هواجسه الوجودية، اذ نفذه بأسلوب " وحشي "(تصاميم صارمة وخشنة)، مستخدما الكتل الخرسانية، لأسقاط فكر فلسفي على تصميم المبنى، يساعده هاريسون في استعادة أسرته، لكنه يهينه ويستغله فيما بعد ما يحدث شرخا بينهما. تكرمه إيطاليا بمعرض استعادي لمجمل اعماله، بجهود ابنة اخته زوفيا، على الرغم من شلله.
بمفتتح لا ينسى؛ تضافرت جهود المصور لول كراوكي، والمونتير ديفيد جانكسو، والموسيقار (دانيال بلومبرج)، لتجسيد محنة الهاربين في قبو سفينة متجهة إلى أرض الأحلام، من خلال الإضاءة المعتمة، والكاميرا المحمولة، والقطع السريع، بالتزامن مع صوت الزوجة (فيليسيتي جونز)، التي تحدث زوجها عن أوضاعهم باعثة الامل فيه مرة واليأس مرات، هذه الأجواء مهدت لمصير هذه الشخصيات الناجية من المحرقة!، على العكس من ذلك، جاءت المشاهد الأخيرة باهتة وتقريرية، حيث عُرضت لقطات سريعة لمشاريع لازلو توث المعمارية، تزامنًا مع خطاب ابنة أخيه الممل، ما افقد الفيلم رصانته وحوّله إلى بروباغندا سافرة. وبين المفتتح والختام استغل المخرج كل أدواته السينمائية لخدمة سرد قصته الإشكالية والمركبة، فثمة الإضاءة التي تتماشى مع تطرف أفكار البطل التي تجمع بين التلذذ بالألم والتمرد، كذلك رافقت الموسيقى الاحداث وتطورها وعززت تمرده، وقدم المصور مع مونتير عبقري كادرات جميلة بزوايا عريضة، لا سيما مع التصوير بتقنية " الفيستافيشن" أو الشاشة العريضة، التي تضاعف أحجام اللقطات وتضيف راحة للمشاهد، وهوما لم يتمتع به مشاهدو المنصات، من أجمل مشاهد الفيلم تلك التي تصور جماليات المكان أو تعاسته، أو كوابيس ابطاله، بالتزامن مع صوت يأتي من خارج الكادر يعلق على الاحداث، بفضل مونتير حاذق.
لست متحاملا على الفيلم، لكن إصرار السينما الأميركية وشركات انتاجها على تدوير أسطوانة "المحرقة" المشروخة في افلامها، جعلها مقرفة ومستفزة لعقول مشاهديها.