عدنان الفضلي
تصوير: نهاد العزاوي
قد يعتقد كثيرٌ من المهتمين بالاستشراق أن دول وسط وغرب أوروبا ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية هم من يتبنون هذه الثقافة، وهو رأي بني بسبب كثرة المستشرقين القادمين من تلك الدول، لكن هناك استشراقا آخر يستحق التوقف عنده، وهو الاستشراق القادم من إحدى الدول الاسكندنافية وأقصد
السويد.
في هذا البلد المعروف ببردة أجوائه، كان يقدم وجبات ساخنة من الاستشراق، وله موائد مفتوحة تقدم لمحبي هذه الثقافة كثيرا من الوجبات، وهناك مؤلفون كثر من بينهم وربما هو الأشهر المستشرق تور أندريه، الذي قدم للمكتبة العالمية كتباً كثيرة عمل من خلالها على التعريف بالثقافات
المشرقية.
في كتابه (الاستشراق السويدي) الصادر مؤخراً عن دار المأمون للترجمة والنشر يقدم لنا المترجم (سعيد الجعفر) واحدة من الوجبات الاستشراقية الدافئة، حيث يأخذنا بسياحة فكرية وثقافية عبر ترجمة لعدد من النصوص والمقالات التي كتبها مستشرقون
سويديون.
في مقدمته الاستهلالية يطلعنا المترجم أن الاستشراق السويديّ ينافس مدارس الاستشراق الكبرى في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وروسيا وأميركا، إلّا أنّه بقي مجهولاً تماماً في الثقافة العربيّة، ويؤكد أن فكرة هذا الكتاب بدأت عند قراءته للترجمة السويديّة للعمل الكبير لإدوارد سعيد الاستشراق، الذي كتبت مقدمته الصحفيّة والكاتبة (سيغريد كالّه) لكنه يضيف لنا تعريفاً بشخصية سويدية مهمة لها باع طويل في الاستشراق حيث يقول "تكمن أهميّة الاستشراق السويديّ أيضاً في أنّ هنالك فارساً آخر مجهولاً، ليس فقط لنا وللغربيين، بل حتّى للسويديّين أنفسهم،
وهو أيريك هرملين، الذي قضّى عقداً من عمره في مصحّة نفسيّة سويديّة قام هناك بترجمة الأعمال الكبرى للتصوّف الإسلاميّ، فقد ترجم تذكرة الأولياء لفريد الدين العطّار في أربعة مجلّدات، وكليلة ودمنة في مجلّدين، وشروحاً على القرآن، كما ترجم منتخبات من سعدي وحافظ وسنائي ونظامي والملحمة الفارسيّة الشاهنامة لفردوسيّ، كذلك قام بترجمة مثنوي جلال الدين الروميّ في خمسة
مجلّدات".
مقدمة الكتاب التي كتبها المستشرق السويدي الشهير (جان جيربه) كانت مقدمة تعريفية بتطوّر الاستشراق في السويد، حيث يسلسل لنا الكاتب هذا التطوّر منذ القرن السادس عشر حتى نهايات القرن العشرين، حين صارت الهجرة الشرقية إلى السويد متزايدة خصوصاً من قبل طالبي اللجوء، حيث يتحدث عن دراسة اللغة للمتخصصين ومقاومة التوسع الروسي والرحلات البحثية في عصر الأنوار وكذلك الرحلات الثقافية والسياحة
المبكرة والهجرة.
ومما يورده كاتب المقدمة لهذا الكتاب ما نصّه " كان من المعتاد أن يسافر الصبية من أبناء الأرستقراطيين في سفرات تثقيفيّة.
وكان يصحبهم معلم، غالباً أكاديميّ شاب، يغدو مشرفاً ومعلماً، كما أنّه يقوم بتنظيم التواصل مع الجامعات والمفكريّن. لكنّ ذلك كان فرصة له للتعلّم والاتصال بالعلماء وجمع المواد والبحث.
مثال على ذلك كان جاكوب جوناس بيورنستول، وهو باحث لغويّ وأستاذ مساعد في اللغة العربيّة في جامعة أوبسالا. فقد سافر عام 1767 بصفة معلم للأخوين أدولف فردريك وكارل فريدريك رود بيك في سفرتهما التثقيفيّة.
ودامت سفرة بيورنستول اثني عشر عاماً. وقد استمرت دراسته في جامعة باريس «للغات الشرقيّة»، وأمكن للسفرة أن تستمرّ من خلال معونة من الملك السويديّ. وقد جرت تسميته (بغيابه) أستاذاً في جامعة أوبسالا عام 1776 وقرّر السفر إلى الشّرق الأدنى ووصل إلى إسطنبول. وكان سكرتير البعثة الدبلوماسيّة في ذلك الحين جوهان جيرهادر فون هايدنستام، الّذي كان صديقاً مخلصاً للدولة
العثمانيّة".
الفصل الأول من الكتاب جاء بعنوان (قصة الاستشراق السويدي) والذي كتبته الصحفية السويدية سيجريد كالّه، والتي تشرح لنا ماهية التعامل وتداول ثنائية الشرق والغرب كثقافتين مهمتين على قرنيهما تقف الثقافة العالمية برمتها، ومن ثم تدخلنا في مدارات الاستشراق السويدي ونشأته وتطوّره مركزة على كون السويد دولة حديثة النشأة، لكنها دخلت عالم الاستشراق كمنافس قوي لدول كثيرة سبقتها في هذا المجال حيث تقول
"كان زمن الفايكنج هو الحقبة الّتي كان فيها للسويديين علاقات مكثّفة وطبيعيّة مع العرب، وتشهد على ذلك الكنوز الكبيرة العباسيّة والسامانيّة التي دفنت في الأرض السويديّة، كذلك تأثير الإسلام في فن وزخرفة الفايكنج يوم اشتغلوا بالتجارة مع الشرق لما ينيف على المئتي عام، ويمكن أن يكونوا قد تعلموا بضع كلمات
عربية".