أصوات نسويَّة.. فكر وجمال

ثقافة 2025/03/19
...

  غفران حداد


كان أول من كتب القصة القصيرة من كتّاب لبنان الأديب جبران خليل جبران وأمين الريحاني وميخائيل نعيمة. وأسهمت الصحف والمجلات الأدبية اللبنانية في انتشار القصة القصير أو الأقصوصة في الربع الأول من القرن العشرين مثل صحيفتي الأحرار والنداء ومجلة المَعْرض ومجلة ألف ليلة وليلة، ثم مجلة الجمهور فمجلة الطريق والأديب. ومن مميزات القصة القصيرة الإيجاز والابتكار ووحدة التأثير والمفاجأة، وهي قطعة أدبية تشف عن نفس كاتبها أو شخصيته وتتمتع بروح سردي والإخراج قادرة على انتزاع إعجاب القارئ من أول سطر، وعادةً يكون هدفها التسلية لا غير ويتوخى كاتبها تقديم العِبرة والموعظة.

القصة القصيرة في لبنان مرت بمراحل ازدهار وتنوع حسب المرحلة السياسية والأحداث التي رافقت بيروت وميزها البعض ما بين أدباء المهجر والأدب النسوي فما بين عام 1975 - 1990 تناولت موضوعات الهجرة والحرب والمقاومة والظلم الاجتماعي والعادات والتقاليد أمثال "مارون عبود، فؤاد كنعان، جبران خليل جبران، جواد صيداوي، توفيق يوسف عواد".

وبرزت بتلك المدة أصوات أدبية نسوية لها حضورها مثل الكاتبة ليلى بعلبكي التي اشعلت نار التمرّد بتوجهها نحو كسر التابوهات والخوض في قضايا تنطوي على مجازفة إنسانية وأدبية، خاصة فيما تعتبره أن الحرية هي أولى مراحل حصول النساء على سيطرتهن على مصيرهن، وكانت تعدّ الجسد هو المحرك الأول لدى المرأة في نيل حريتها الذاتية، وفي مجموعتها القصصية "سفينة حنان الى القمر- 1963" قدمت موضوعات اعتبرت محرّمة دفعت الثمن باهظاً بسبب كتاباتها وكان لاحتجازها لدى شرطة الآداب ثم محاكمتها بالطريقة المهنية بتهمة الإساءة الى الأخلاق العامة، أثر مباشر في نكوصها عن الكتابة.

بعلبكي التي ظهرت في بيروت نهاية العقد الخمسين من القرن المنصرم تمكنت خلال مدة وجيزة أن تحجز لنفسها مكاناً الى جانب قاصات وروائيات تلك المرحلة أَمثال ليلى حصيران، حنان الشيخ، ومنى جبّور ونصها "الخلود والحذاء الجديد"، التي انتحرت في 24/1/1964 بعدما نشرت روايتها "فتاة تافهة"، وإملي نصر الله كانت كاتبة غزيرة الانتاج نشرت العديد من المجموعات القصصيَّة التي تتناول موضوع الحياة القروية والحرب والأسرة وحقوق المرأة مثل مجموعاتها و"صارت الصخور فراشات، روت لي الأيام، الينبوع".

كما تأتي قصة "الشرخ" لبسمة الخطيب، لتطرح بعدا آخر للعلاقة بين الذات والأشياء الحميمة في حياة المبدع، وهناك وصال خالد، ونصها "أحلام الأرض"، وهاديا سعيد، ونصها "الطائرة"، بما تحمله من سمات الكتابة لديهن، وطموحهن نحو تأصيل مضمون إنساني عميق يلتف حول قضايا المرأة.

ايضا الكاتبة السورية غادة السمّان، بحكم معايشتها للواقع اللبناني من خلال تواجدها في هذا المكان كمشهدٍ أدبي وكوطن إقامة ونشأة أثرت الساحة الأدبية بمجموعات قصصية مثل "كوابيس بيروت".

وهناك عدد غير قليل من القاصات اللاتي حاولن بإخلاص كتابة قصص قصيرة جيدة مثل سلوى محمصاني ومجموعتها القصصية "مع الحياة" وأيضا أعمال الكاتبة وداد السكاكيني بمجموعة "مرايا الناس – 1945" وتعتبر القصة القصيرة عند بعض هؤلاء الكاتبات محطة ابداعية قصيرة تستريح فيها من عناء العمل في زخم السرد الروائي الطويل.

والساحة الأدبية  تبرز مواهب مشعة من كاتبات لبنانيات معاصرات مثل حنان ضِيا، التي قدمت للقارئ "جسد محرّم" عنوان مجموعتها القصصية التي تضم 19 نصا قصصيا ومن عناوينها "النداء الأخير ايقظها، ارجوانيّة الهوية، أربعون سنة رجلاً، اِنتبه عذريتي، انا زوجه ثانية، الأبوّة".

وإذا ما تأملنا في أعمال هدى بركات سنجد أنها تمتلك قلماً أدبياً ساحراً بين المثقفات اللبنانيات واستطاعت من خلال فن كتابة القصة التأثير على القارئ وترغمه أن يتفاعل مع أحداث ابطالها ولديها أسلوبها الخاص في خلق شاعرية خاصة في القصة والرواية فاستعملت تقنيات سردية استطاعت من خلالها اظهار مساوئ العنف والحب على الفرد والمجتمع من اصداراتها مجموعة زائرات - 1985، ورسائل الغريبة- نصوص 2004، الى جانب نتاجها الروائي المميز أمثال "حجر الضحك، 1990، حارث المياه، 1998، سيدي وحبيبي، 2004، بريد الليل، 2017".

وعن حداثة القصة النسوية اللبنانية يقول الناقد شوقي بدر يوسف: "لعب جيل القاصات اللبنانيات الموجود على الساحة الآن دورا مهما في تأصيل حداثة واقع القصة القصيرة في لبنان حينما حدد في منجزه القصصي نسق وصيغة القواعد الفنية التي اشتغل عليها في بنية النص القصصي القصير وارتباط كاتباته بواقع الحياة في لبنان، واختياراته لمضمرات الحياة وسطوتها على الواقع المعيش".

والكتابة القصصية النسوية اللبنانية تتميز بكونها بستانا إبداعيا، والتميز التي يؤصلها ويجسدها هذا الزخم الإبداعي المتراكم بجميع تياراته الفكرية والأيديولوجية والفلسفية والجمالية.