طه جزاع
يعرض عليك تطبيق للذكاء الاصطناعي أن تعانق أحبابك افتراضياً، وذلك أمر قد يبدو طبيعياً إلى حد ما إن تم وفق ضوابط أخلاقية تفرضها الفطرة السليمة قبل أن يقرها العرف والقانون، لكنه يضيف : حتى أولئك الذين ماتوا !.
هنا تعصف الأسئلة الوجودية والأخلاقية في ذهنك حتى لو كان العرض يبدو مستبعداً في الأفق القريب، لكن تقنيات الذكاء الاصطناعي في خَلق العالم الافتراضي يمكن أن تجعله ممكناً ومتاحاً في أي لحظة. لقد وصل الأمر في هكذا حال إلى التلاعب بالمشاعر، فما من إنسان فقد حبيباً إلا ويتمنى رؤيته وعناقه، غير أن الموت فراق أبدي، وأي استعادة للميت بتقنية تجعلنا نعانقه افتراضياً مع الشعور وكأنه مادي محسوس، يمكن أن تؤدي بنا إلى نتائج عكسية، وقد ينتج عنها المزيد من الاضطرابات النفسية، والأمراض العقلية، والانحرافات السلوكية.
صار بإمكان الذكاء الاصطناعي إذن، انشاء صور رمزية تحاكي طريقة حديث الشخص وصوته وحركاته وسلوكياته بناءً على بياناته الشخصية، بما في ذلك إمكانية التحدث والتفاعل مع نسخته الافتراضية، واستجابتها بشكل يشبه تماماً ردود الفعل الأصلية للشخص الحقيقي، كما في تقنية " وضع العيش للأبد " التي تهدف إلى اِنشاء نسخة رقمية تفاعلية من الأشخاص بحيث يمكن لأحباهم التواصل معهم بعد وفاتهم لتخفيف الحزن، وتوثيق الذكريات، لكن ذلك يمكن أن يقود أيضاً إلى التلاعب بالمشاعر وانتهاك الخصوصية، واطالة مدة الحزن وعدم تقبل فقدان الأحبة .
إن مفاهيم مثل " الحياة الآخرة الرقمية " أو " البعث الرقمي" باتت من المفاهيم المتداولة كثيراً بين مبتكري تطبيقات الذكاء الاصطناعي وشركاته، وذلك يطرح في الوقت نفسه تساؤلات كثيرة حول اخلاقيات إعادة خلق البشر رقمياً، وإذا ما كان ذلك يمثل خطراً قيمياً واجتماعياً وأخلاقياً على الإنسان، الكائن المجبول على السلوان
والنسيان.