بغداد: مقتدى أنور
في ظل تطورات عالمية وإقليمية غير مسبوقة، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية الروسية، يعاني الاقتصاد العالمي من تحديات جسيمة، خاصة في قطاع الطاقة. فالتقلبات الحادة في أسعار النفط والغاز التي أثارتها هذه الأزمات، فرضت واقعًا صعبًا على الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.
ويرى مراقبون أن العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية لتمويل موازنته العامة، يجد نفسه في مواجهة تحديات متعددة، تتراوح بين التأثيرات السلبية للعقوبات الدولية، والتقلبات الحادة في الأسواق النفطية، إلى جانب التحديات الاقتصادية الداخلية. هذه الأحداث جعلت من الاقتصاد العراقي أكثر عرضة للتقلبات العالمية، مما يستدعي اتخاذ إجراءات سريعة للتكيف مع الأوضاع المستجدة، وتنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للإيرادات.
في حديثه لـ"الصباح"، يؤكد الخبير في مجال الطاقة، الدكتور بلال الخليفة، أن الأزمة الأوكرانية أدت في مراحلها الأولى إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، إذ تجاوز سعر البرميل 120 دولارًا وسط مخاوف من نقص الإمدادات.
وأضاف أن بعض المحللين ذهبوا إلى توقع وصول الأسعار إلى 300 دولار في حال توقف الصادرات الروسية بشكل كامل. إلا أن الأسواق استقرت لاحقًا عند متوسط 80 دولارًا للبرميل، بعدما وجدت روسيا أسواقًا بديلة، خصوصًا في الصين، حيث باعت نفطها بأسعار أقل من السعر العالمي.
وأشار الخليفة إلى أن العراق بنى موازنته العامة على أساس سعر 75 دولارًا للبرميل، مما يعني أن أي انخفاض إضافي قد يؤدي إلى تفاقم العجز المالي، الذي يقدر بنحو 60 تريليون دينار. كما أوضح أن انتهاء الحرب، أو تدخل الولايات المتحدة في ضبط الأسعار، قد يدفعها إلى الانخفاض إلى حدود 60 دولارًا، مما سيضع العراق في ضائقة مالية.
وأضاف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد يضغط على منظمة "أوبك بلس" للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات منخفضة، وهو ما سيشكل عائقًا أمام جهود الدول المنتجة لتحقيق التوازن في السوق، وقد يؤدي إلى تراجع كبير في عائدات العراق النفطية.
ويرى الخليفة أن الحكومة قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات طارئة في حال تراجع أسعار النفط، تشمل تعويض نقص الإيرادات، أو اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي عبر إصدار سندات، أو تقليص الموازنة الاستثمارية، أو زيادة الضرائب والرسوم لتعويض العجز. لكنه حذر من أن هذه الإجراءات، برغم ضرورتها في الأجل القصير، قد تترك آثارًا سلبية على المدى الطويل إذا لم يتم تطبيقها بحذر وبالتوازي مع إصلاحات هيكلية أعمق. من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور دريد العنزي، أن العقوبات الدولية المفروضة على روسيا وإيران انعكست بشكل غير مباشر على العراق، إذ تأثرت حركة التجارة والتحويلات المالية، مما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي. وأوضح لـ"الصباح"، أن اعتماد العراق الكبير على الاستيراد جعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، إذ أدى ارتفاع تكاليف المواد الأولية إلى زيادة الضغوط على الموازنة العامة.
وأشار إلى أن دخول الشركات الروسية والأوكرانية إلى السوق العراقية، برغم ما يوفره من فرص اقتصادية، يواجه تحديات عدة، خاصة بسبب العقوبات المفروضة على روسيا التي تعيق التحويلات المالية. ويؤكد العنزي، أن العراق بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية جذرية لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية، موضحا أن من أهم هذه الإصلاحات تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، عبر دعم القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، مشددا على أن دعم الإنتاج المحلي يمكن أن يسهم في تقليل التكاليف وتوفير فرص العمل.
وأكد الخبيران، أن العراق يمتلك إمكانيات هائلة تؤهله ليكون لاعبًا اقتصاديًا رئيسيًا في المنطقة، لكنه بحاجة إلى قرارات اقتصادية جريئة وإصلاحات حقيقية لضمان تحقيق نمو اقتصادي مستدام، بعيدًا عن التقلبات النفطية التي ظلت لعقود تحدد مصير اقتصاده. وعملت الحكومة خلال السنتين الماضيتين على تنويع الإيرادات وتقليل الاعتماد على النفط، إذ بين المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن الحكومة كانت على درجة من الدراية والوعي وتصدت لهذا الأمر في برنامجها الحكومي، إذ وضعت هدفاً يقضي برفع مساهمة الإيرادات غير النفطية في الموازنة العامة لتبلغ 20 % فأكثر.