د. حيدر عبد السادة جودة
انتهت الأحداث السورية كما انتهت الأحداث في العراق، فكانت الشعوب تمنّي النفس بزوال المنظومة الدكتاتورية في العراق، وبعد معاناة طويلة واعتراك وإفلاس وانهيار للبنى التحتية، جاء أمر زوال النظام البعثي وزمرته الدموية، لكن العراق اليوم كعراق الأمس، وما زال الشعب يمني النفس بمنقذ جديد...
وكذا الأمر في سوريا، فقد وجدوا أنفسهم أحراراً إزاء نظام لا يقل دموية عن نظام صدام، فالنظامان من قماشة واحدة، لكن، هل كتب لسوريا النجاح في ظلِّ هذا التحول؟.
لا يمكن لنا أن نسمي انهيار نظام بشّار الأسد نجاحاً وفتحاً للشعب السوري ما دام الجولاني خليفة للأول، فما الذي يستفيده الشعب من انهيار طاغية بإعلاء طاغية أخرى؟ قطعاً لا يحصدون سوى الموت.
على أننا يجب أن نُشير إلى أن الجولاني أدنى من أن يكون شخصاً قيادياً قادراً على الإطاحة بنظام واستبداله بنظام جديد، لأنه لا يجيد سوى حرب الشوارع وزرع القنابل وتفجير السيارات الملغومة، وهذه الممارسات من شأنها أن تزعزع أمن الدولة، لا أن تكون سبيلاً لنجاح الانقلاب على الدولة، فما الذي حدث ويسّر له الأمر في تسنم منصة الرئاسة؟
في البدء يجب أن نفرق ما بين الموقف الإيراني الداعم للنظام السوري، وسبب الانسحاب المفاجئ في تحقيق ذلك الدعم، ونعتقد بأن إيران قد خسرت الاستحواذ على إحدى أدواتها نتيجة الانسحاب الروسي من سوريا، وهذا يوضح حقيقة ضعف إيران إزاء دفاعها عن سوريا، فهي لم تتصدَ في الدفاع أصلاً، بل كانت تحتمي بحماية روسيا لبشار الأسد، فبمجرد أن قررت روسيا الانسحاب، انسحبت إيران كتحصيل حاصل، لذلك لم نجدها تعمل على تحريك العاطفة الشيعية بالتلويح لحماية المقدسات ومقولة (لن تسبى زينب مرتين)، لأن هذه المرة قرار الانسحاب قد عدَّ من روسيا وليس لإيران إلا الإصغاء لذلك القرار.
ويبدو واضحاً بأن الانسحاب الروسي كان مبيتاً، وقد تم الترويج له بشكل رسمي حينما فاز (ترامب) بالرئاسة الأمريكية، وهنا بدأ العقد. فقد كان ذلك نتيجة اتفاق ما بين روسيا وأمريكا، فكان اشتراط الروس يتمثل بضرورة تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا، شرطاً ضرورياً لانسحاب الروس من سوريا، وهذا يوضح حقيقة التعامل الأمريكي مع رئيس أوكرانيا في اجتماع البيت الأبيض. وهكذا أُتيحت الفرصة لجماعة الجولاني في إعلان الحرب على النظام والقدرة على إسقاطه بسهولة، فالانسحاب الروسي من جهة، والدعم التركي من جهة أخرى، وإخلاء سطح المقاومة ضد إسرائيل من جهةٍ ثالثة، هي الأسباب الحقيقية من وراء إسقاط نظام بشّار الأسد.
ونتيجةً لهذه الاتفاقات والسياسات الاستراتيجية، سنحت الفرصة أخيراً أمام رجل الإرهاب لقيادة الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، وهي ليست انتقالية على وجه الحقيقية، فهي قد تعمر لثلاثين سنة قادمة، وسيحكم سوريا بالسيف والنار خصوصاً الجانب العلوي، كما فعل الأسد سابقاً فحكم السنة بالسيف والنار أيضاً، وحينها لا يموت سوى الشعب.
وفي هذه الفترة انتقل الجولاني إلى أحمد الشرع، وكان بمثابة أسرع تحول في خلع ثوب القتال وارتداء البدلة الرسمية، التقصير من اللسان الإرهابي واستبداله بآخر دبلوماسي يتكيف مع سائر المتغيرات، فبعدما أعلن الحرب ونصب العداء مع جميع الدول غير الإسلامية، ها هو الآن يمدُّ يد الصلح والمباركة معها، لا لأجل شيء قطعاً، وإنما لأجل ديمومة حكومته السياسية... وليس هذا فحسب، بل عمد إلى مدّ يد الصلح إلى أكثر الدول ضرراً بالشعب السوري، روسيا وإيران، والتي أذاقت الشعوب السورية ويلات تمردها على بشّار الأسد ونظامه التواكلي الهش.
ولكن تعلمنا من البحوث النفسية في أن للإنسان طبائع مختلفة وطارئة، فيها واحد أصيل والآخر مصطنعات، وفي الأخير سيظهر الوجه الحقيقي لصاحب ربطة العنق الطارئة، فيزال أحمد الشرع ليستبدل بالجولاني، وسرعان ما حصل، فقد ظهر الجولاني أخيراً، قاطعاً الطريق أمام الدبلوماسي أحمد الشرع، ليأمر بقتل العلويين والتمثيل بهم في شوارع سوريا. وهذا ما ننتظره من رجل بوكا.
سيكتب لرجل بوكا النجاح لزمن مديد، لأنه مهيأ بصورة صحيحة وذكية في كيفية الخروج من الأزمات، كما هو ملقن سلفاً لتمهيد الطريق أمام الاحتلال الصهيوني، وقد تعلّم ذلك في بوكا أكيداً، وسيكتب له النجاح مرة أخرى، سواء ظهر بمظهر الشرع أم الجولاني، لأنه يحظى بتأييد الدعم الأمريكي والتركي والإسرائيلي، والمبارك بانسحاب الجانب الروسي والإيراني، ومحفوف بالدعم المالي للجانب العربي الذي ابتسم وصفق لسقوط بشّار.