تزايد الدعوات إلى محاربة الشائعات وتجريم الطائفية

بغداد: نور نجاح عبد الله
مع اقتراب موسم الانتخابات، وفي ظل الأوضاع المضطربة التي تشهدها المنطقة، تزايدت ظاهرة إطلاق الشائعات والأخبار الكاذبة، إلى جانب تصاعد الخطابات الطائفية، في مشهد يعكس استغلال بعض الجهات لهذه الظروف لتحقيق مكاسب سياسية. وتعد الشائعات والأخبار المضللة من أخطر أدوات الحرب النفسية، حيث تستخدم لزرع البلبلة والخوف والقلق لدى الجمهور المستهدف.
حملات التضليل
وفي هذا السياق، يؤكد العميد نبراس محمد، رئيس قسم الشائعات في وزارة الداخلية، أن هناك عنصرين أساسيين في انتشار الشائعات: الأهمية والغموض، فكلما كان الحدث مهماً ويمس الأوضاع الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية للأفراد، تزداد وتيرة تداول الأخبار، ويغلب على معظمها الطابع الكاذب أو المضلل. أما العنصر الثاني، وهو الغموض، فيتجلى عندما تفتقر الأخبار الكاذبة إلى التفسير أو تُواجه بنفي غير واضح، مما يتيح لها الانتشار السريع بين الناس.
ويشير العميد نبراس محمد إلى أن التطور التكنولوجي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي جعلا الشائعات تنتقل بسرعة غير مسبوقة، مما يؤدي إلى تدفق هائل من المعلومات، بعضها مضلل أو غير دقيق. ويزداد تأثير هذه الظاهرة في ظل الأوضاع الإقليمية والعربية غير المستقرة، حيث تلقي هذه التوترات بظلالها على الأمن الداخلي، مما يجعل الشخصيات السياسية والقيادية هدفاً رئيساً لحملات التضليل.
ويضيف أن قسم محاربة الشائعات في وزارة الداخلية يعمل على مدار 24 ساعة بالتنسيق مع الجهات المعنية لتفنيد الأخبار الكاذبة ونفي المعلومات المضللة بسرعة وكفاءة. كما يتم التعاون مع هيئة الإعلام والاتصالات لمراقبة الصفحات التي تروِّج لهذه الشائعات، واتخاذ الإجراءات المناسبة، سواء من خلال إغلاقها أو رفع دعاوى قضائية ضد مروجيها.
مصادر موثوقة
وفي ختام حديثه، يوجه العميد نبراس محمد رسالة للمواطنين، مفادها ضرورة استقاء الأخبار من مصادرها الموثوقة، وعدم الانجرار وراء المعلومات المضللة، نظراً لما تشكله من تهديد للأمن والاستقرار، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي.
وكان الناطق باسم القائد العام صباح النعمان قد أكد في بيان له الخميس، أن «بعض مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الخبرية تداولت أنباء بشأن (وجود قرار من الحكومة العراقية لتشكيل خلية أزمة أمنية برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لمتابعة التطورات وضبط الحدود العراقية السورية، وذلك في إطار استكمال التعاون بين دول الجوار لإنشاء مركز استراتيجي لضبط الأمن في المنطقة)».
وأضاف، أنه «في الوقت الذي ننفي فيه هذه الأنباء، نؤكد ضرورة أخذ الأخبار من مصادرها الرسمية حصراً والابتعاد عن الشائعات» .
وتابع “كما نؤكد توجيهات رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، إلى هيئة الإعلام والاتصالات لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق القنوات الفضائية والوكالات الخبرية التي تتعمد ترويج أخبار مضللة» .
الالتزام بالمهنية والمسؤولية
كما دعت هيئة الإعلام والاتصالات ، وسائل الإعلام إلى عدم نشر أو تداول أخبار ومعلومات غير مؤكدة تؤدي إلى تضليل الرأي العام أو الإضرار بالمصالح العليا للبلاد.
وذكرت في بيان لها، أنه “في الوقت الذي تؤكد فيه هيئة الإعلام والاتصالات أهمية التزام المؤسسات الإعلامية بالمهنية والمسؤولية في نقل الأخبار، وتحري الدقة والمصداقية في التعامل مع أية معلومة ولا سيما مايتعلق بالعلاقات الخارجية للعراق وأمنه الوطني، واتساقاً مع ما ورد في بيان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة بتاريخ 20 آذار 2025، فإن الهيئة تدعو جميع وسائل الإعلام إلى استقاء الأخبار من مصادرها الرسمية حصراً، وعدم نشر أو تداول أخبار ومعلومات غير مؤكدة تؤدي إلى تضليل الرأي العام أو الإضرار بالمصالح العليا للبلاد» .
وشددت الهيئة على “ضرورة التعامل بمسؤولية كاملة مع الأخبار التي تمسُّ علاقات العراق مع أشقائه وجيرانه، وعدم الانجرار وراء الأخبار الملفقة التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار أو التشويش على العلاقات المتكافئة التي يسعى العراق إلى تعزيزها في إطار التعاون المشترك”.
أداة خطيرة
إضافة إلى الشائعات، تعدُّ الخطابات الطائفية خطراً على المجتمع يجب محاربتها، إذ يؤكد الأكاديمي والباحث الاستراتيجي، الدكتور هاني عاشور أن التصريحات الطائفية في دولة متعددة الأديان والطوائف والقوميات تمثل تهديداً ممنهجاً لوحدة البلاد واستقرارها.
ويرى أن هذا النوع من الخطاب يفتقر تماماً إلى الرؤية الوطنية، بصرف النظر عن دوافعه وخلفياته، مما يجعله أداة خطيرة تستهدف تفكيك النسيج المجتمعي وإشعال الفتن. ويشدد على أن الخطابات الطائفية ليست مجرد تجاوزات فردية، بل هي في جوهرها مشاريع تفتيت تستهدف ضرب الوحدة الوطنية، وغالباً ما تكون مدفوعة بأجندات خارجية تسعى لإضعاف الدول وتقسيمها. وعليه، فإن أي تصريح من هذا النوع يجب أن يُواجه بحزم، وأن يُحاسَب مطلقه قانونياً، لكونه يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي.
ويضيف عاشور أن الاستعمار الأجنبي، منذ بدايات القرن العشرين، اعتمد استراتيجية تمزيق المجتمعات العربية كجزء من سياساته التوسعية، حيث عملت القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية والإيطالية على إثارة الصراعات الداخلية وتقسيم الدول إلى كيانات متناحرة. وقد كانت الطائفية إحدى الأدوات الفعالة التي استخدمها المستعمرون لتمزيق المجتمعات، إلا أن الحركات الوطنية العربية واجهت هذه المخططات عبر الدعوة إلى التحرر والاستقلال، وإرساء دساتير وطنية تحظر التقسيمات الطائفية والعرقية، وهو ما اسهم في تعزيز الوحدة الوطنية في العديد من الدول العربية.
وفي ما يتعلق بالحلول، يشدد عاشور على ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية صارمة للحد من انتشار الخطاب الطائفي، داعياً هيئة الإعلام والاتصالات إلى تحمل مسؤولياتها في مواجهة المؤسسات الإعلامية التي تروِّج لهذا الخطاب، ومعاقبة الأفراد الذين يستغلون المنصات الإعلامية لبث الفتنة الطائفية. كما يؤكد على ضرورة تعامل الحكومة مع هذه الظاهرة باعتبارها تهديداً
مباشراً للأمن القومي.
وفي السياق التشريعي، يشير عاشور إلى مشروع قانون في البرلمان يتعلق بجرائم المعلوماتية، ويرى ضرورة تطويره ليشمل “جرائم تنظيم المعلوماتية”، بهدف مواجهة استغلال الفضاء الرقمي في الترويج للطائفية. كما يقترح إدخال تعديلات جوهرية على قانون العقوبات العراقي، تجرّم بشكل صريح التصريحات والممارسات الطائفية.
توجهات طائفية
كما يرى المحلل السياسي الدكتور عصام الفيلي أن الخطاب الطائفي، رغم أنه لم يعد يؤثر بشكل جوهري في استقرار المجتمع العراقي بسبب الطبيعة المتداخلة لمكوناته وانتشار الزيجات المختلطة، إلا أنه يظل أداة سياسية يستخدمها البعض في تشكيل تحالفات جديدة واستقطاب الجماهير، خاصة مع اقتراب كل دورة انتخابية. ويشير إلى أن بعض الأحزاب في العراق تتبنى توجهات طائفية بحتة، وهو ما يتجلى بوضوح في غياب التنوع الفكري داخل قياداتها، على الرغم من أن هذه الأحزاب كانت تتعاون فيما بينها خلال فترات النضال السري في سبعينيات القرن الماضي.
ويؤكد الفيلي أن بعض الأحزاب السياسية تستغل الخطاب الطائفي كوسيلة لحشد التأييد الجماهيري وتعويض فشلها في تقديم مشروع دولة حقيقي قائم على عقد اجتماعي واضح بين الدولة والمواطن. ويضيف أن هذه الظاهرة تتجلى في بعض المناطق حيث يُستخدم الخطاب الطائفي لخلق اصطفافات معينة، ويُوظَّف استذكار التراث الديني بطريقة طائفية لخدمة مصالح سياسية. ويرى أن الترويج لذلك أصبح يُطرح بقوة في المشهد السياسي، ليس كهدف حقيقي، بل كوسيلة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية معينة.
قوانين صارمة
أما عن التشريعات القانونية، فيشير الفيلي إلى غياب قوانين صارمة تجرّم الطائفية، مؤكداً أن الهجوم على الرموز الدينية لمختلف المكونات يُعدُّ مؤشراً على هذا الفراغ التشريعي.
الخبير القانوني جبار الشويلي يؤكد أن الدستور العراقي يشكّل إطاراً شاملاً يضمن حقوق وحريات جميع أفراد الشعب دون تمييز، كما يؤكد على نبذ خطاب الكراهية والطائفية. وانطلاقاً من هذا الأساس، فإن القوانين المستمدة من الدستور قد أدرجت عقوبات رادعة بحق مروّجي هذا الخطاب، وفقاً لما تضمنه قانون العقوبات العراقي النافذ. ورغم استغلال البعض لثغرات قانونية، فإن ذلك لا ينفي كون خطاب الكراهية والطائفية يشكل تهديداً للأمن القومي العراقي، مما يستوجب تجريمه
بوسائل قانونية مختلفة.
ويدعو الشويلي إلى ضرورة اضطلاع مجلس النواب، بصفته السلطة التشريعية، إلى جانب الادعاء العام، بمسؤولية مراقبة هذا الخطاب والتصدي له بحزم. كما يشدد على أهمية إجراء التعديلات التشريعية اللازمة لتعزيز النصوص القانونية وتجريم الظواهر التي تهدد نسيج المجتمع العراقي.
قانون العقوبات
بدوره، أكد النائب رائد حمدان المالكي أن القانون العراقي نظم وعالج مسألة إثارة الكراهية والترويج للطائفية، عبر عدة تشريعات تشمل قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 (المعدل) وقانون مكافحة الإرهاب، حيث تتضمن هذه القوانين نصوصاً تجرّم التحريض الطائفي والترويج للنعرات القومية والمذهبية، لما لذلك من تهديد مباشر للسلم المجتمعي.
وأوضح المالكي أن المادة 200 من قانون العقوبات تعاقب بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات على الأفعال والسلوكيات التي تثير الكراهية بين فئات المجتمع العراقي، بما في ذلك الترويج للطائفية. كما أن المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب اعتبرت إثارة الفتنة الطائفية جريمة إرهابية، تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد أو الإعدام، تبعاً لخطورة الفعل المرتكب.
وأشار إلى أن القانون العراقي يتضمن أيضاً مواد تعاقب على إهانة المقدسات والرموز الدينية لأي طائفة أو مذهب معترف به في العراق، مما يعكس وجود غطاء قانوني راسخ لمكافحة هذه الظواهر. ومع ذلك، فإن الإشكالية الأساسية لا تكمن في وجود النصوص القانونية، وإنما في آليات تطبيقها وتفسيرها في الواقع القضائي، حيث يترك تكييف الأفعال للسلطة القضائية، بناءً على القرائن والنوايا الكامنة وراء التصريحات أو الأفعال، خاصة عندما يكون هناك تداخل بين حرية التعبير والبحث العلمي، وبين الخطاب الذي يثير الكراهية.
وأضاف المالكي أن مسألة تحديد حدود حرية التعبير في هذا السياق تبقى رهينة اجتهاد القضاء العراقي، لا سيما في ظل غياب قانون واضح ينظم حرية التعبير عن الرأي، مما يزيد من تعقيد تطبيق النصوص الحالية، ويدعو إلى ضرورة تشريع قانون جديد
يحسم هذه المسألة.