عادل الجبوري
لعل من بين ابرز القضايا التي تشغل العديد من النخب السياسية والمجتمعية وعموم الشارع العراقي في المرحلة الراهنة، هي كيفية منع الارتدادات السلبية لتفاعلات المشهد السوري عن العراق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من شهر كانون الاول-ديسمبر 2024، وسيطرة جبهة تحرير الشام على مقاليد الأمور، لاسيما أن هناك ترابطا جغرافيا كبيرا، وتداخلات وتشابكات حكمتها وبلورتها طبيعة التحديات المشتركة طيلة عقدين من الزمن تقريبا
ناهيك عن عدم وضوح الصورة الكلية لمسارات الوقائع والاحداث في سوريا، في ظل تقاطع المصالح والأجندات والحسابات بين فرقاء إقليميين ودوليين، وبين قوى داخلية متعددة الولاءات والانتماءات.
ومنذ البداية، طرح العراق رؤية واقعية وموضوعية في كيفية التعاطي مع المتغيرات الدراماتيكية السريعة والمفاجئة في المشهد السياسي السوري، تمثلت هذه الرؤية، بعدم التدخل بالشأن الداخلي السوري، بإعتبار ان أبناء الشعب السوري هم من يقررون مصير بلادهم ومستقبلهم، والعمل على مساعدة السوريين في ظل الظروف والأوضاع الحرجة التي يواجهونها، والحفاظ على أمن العراق ودرء الأخطار المحدقة به، والتعاون والتنسيق مع كل اطراف المجتمع الدولي، والقوى الإقليمية الفاعلة، لترسيخ الاستقرار في سوريا وتجنيبها الصراعات الداخلية والاعتداءات الخارجية، وضرورة ضمان حقوق كل مكونات المجتمع السوري، بعيدا عن الاقصاء والتهميش. وقد طرحت ونوقشت تلك الأفكار والتوجهات خلال زيارة وفد رسمي عراقي إلى سوريا برئاسة رئيس جهاز المخابرات الوطني حميد الشطري، أواخر العام الماضي، وكذلك خلال زيارة وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، اسعد الشيباني للعراق، منتصف شهر اذار-مارس الجاري، فضلا عن تبادل الرسائل وتوضيح المواقف عبر قنوات غير مباشرة.
ولا شك، يتفق الكثيرون حول حقيقة ان مصادر الخطر على العراق من الجبهة السورية، تتمثل بجهتين، الأولى هي الكيان الصهيوني، إذ إنه من المعروف أن الأخير، يعمل منذ فترات طويلة على اختراق العراق أمنيا وسياسيا واجتماعيا، من أل تفككيه واضعافه، وتفريغه من كل مكامن القوة والحضور والتأثير، في ذات الوقت الذي لم يفتأ ذلك الكيان يحاول جاهدا إدخال العراق في مسارات التطبيع، كما هو الحال مع دول وانظمة أخرى عربية وغير عربية، كمصر في عام 1978، والأردن في عام 1994، والامارات والبحرين في عام 2020.
فمرة يقدم الكيان الصهيوني على قصف وتدمير المنشآت النووية العراقية، مثلما حصل في حزيران-يونيو 1981، ومرة يستهدف علماءه، ومرة يدفعه-مع الولايات المتحدة الاميركية والعالم الغربي- الى شن حرب عبثية ضد أحد جيرانه، ومرة يغرقه بالجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، وبشتى مظاهر العنف والإرهاب.
ومن الطبيعي جدا، في ظل أجواء التآمر والاستهداف المتواصل، والاجندات التخريبية التدميرية، أن يتوجس العراق من التوغل الصهيوني في سوريا، من خلال استغلال حالة الفوضى والاضطراب بعد سقوط نظام بشار الأسد، ويتوجس أكثر من الحملات الصهيونية المتواصلة لتدمير المنظومات والقدرات العسكرية والتسليحية السورية بشكل غير مسبوق.
واذا كان الكيان الصهيوني قد نجح قبل سبعة وأربعين عاما في تحييد مصر وإخراجها من معادلات الصراع العربي معه، فقد بقي يعمل بنفس الهدف والتوجه على كل من سوريا والعراق، وهو يشعر الآن أن الفرصة باتت سانحة أكثر من أي وقت مضى لتحييد سوريا بإسلوب آخر. وعبر البوابة السورية يرى أنه يمكن أن يصل إلى العراق بأقصر الطرق. وهذا ما يدركه ويعرفه جيدا أصحاب القرار السياسي في بغداد، وتدركه وتعرفه مختلف النخب السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية العراقية.
اما الجهة الثانية لمصادر الخطر على العراق، فتتثمل بتنظيم داعش الإرهابي، وما ينظوي تحت عباءته من اسماء ومسميات، ولا شك أن “داعش” يعد الوجه الاخر للكيان الصهيوني، وان كلا منهما يكمل مهام وأدوار الآخر من خلال تناغم وانسجام وتوافق كبير جدا.
ومثلما يرى الكيان الصهيوني في الاوضاع السورية المضطربة حاليا، فرصة ذهبية للتوسع والتمدد، للتعويض عن خسائره وانكساراته وهزائمه في غزة ولبنان، فتنظيم داعش هو الاخر يرى في مجريات الاحداث الراهنة، فرصة ذهبية للتعويض عن هزائمه في العراق وسوريا، بمساعدة أطراف دولية وإقليمية، وربما حواضن داخلية. وما هو مؤكد، أن الكيان الصهيوني وتنظيم داعش يعملان ويتحركان وفق نظرية “التخادم”، التي يمكن ان تكون سهلة التطبيق في البيئات المضطربة والقلقة والهشة أمنيا وسياسيا ومجتمعيا. ففي الوقت الذي راحت تشكيلات من جيش الكيان تتوغل في الأراضي السورية، وطائراته تضرب المواقع الحيوية والاستراتيجية السورية، راحت عصابات داعش تعمل على إعادة تنظيم صفوفها، في سبيل تحقيق اكبر قدر من المكاسب بأقل وقت ممكن.
وتؤكد مجمل الوقائع والشواهد، أن الاوضاع الأمنية والسياسية الراهنة في العراق، تختلف تماما عما كانت عليه في عام 2014 وما قبله، وأن أي مخطط تخريبي داعشي، سيواجه بردود وإجراءات حازمة وقوية من قبل المنظومات الأمنية والعسكرية العراقية على اختلاف مسمياتها وعناوينها، ولكن ما ينبغي التنبيه والتأكيد عليه هو أن الأوضاع القلقة والمرتبكة في سوريا، المفتوحة على كل الاحتمالات، تقتضي المزيد من اليقظة والتأهب، واخذ أسوأ الاحتمالات بعين الاعتبار، وهذا ما هو متحقق بشكل جيد ومقبول إلى حد كبير، بموازاة الدبلوماسية الناجحة وحضور العراق الإيجابي، ودوره الفاعل في احتواء وتطويق أزمات المنطقة، وتجسير المواقف بين الفرقاء والخصوم، لانه لا استقرار وامن حقيقي لأي بلد من بلدان المنطقة دون توفر استقرار وامن إقليمي شامل، ترسمه المصالح المشتركة، لا الحروب المستعرة!.