زهير كاظم عبود
ثمة سؤال يواجه العديد من أبناء العراق عن اسباب وجود الفقر بالعراق، والعراق بلد نفطي وزراعي وسياحي وغني بالموارد الطبيعية التي حباه الله بها،وتؤكد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أن عدد المستفيدين الكلي من الإعانة الاجتماعية يصل إلى 7 ملايين و600 ألف شخص، والسؤال في غاية الأهمية، وهو يتناول جوهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في العراق. حيث إن الفقر ما زال مشكلة كبيرة تعاني منها جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، وهناك عدة أسباب رئيسية لبقاء الفقر راسخا متجذرا ومنتشرا في العراق، ومؤشر الفقر يعني نسبة الحرمان الذي يتطلب معالجة جادة من الحكومة، وقد اكد الدستور العراقي تكفل الدولة بإصلاح واقع الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة، وتنويع مصادر الدخل وتشجيع القطاع الخاص وتنميته، ووضع الدستور على مسؤولية الدولة أيضا تكفلها بالضمان الاجتماعي والصحي، لكل العراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة. ومشكلة الفقر التي تعاني منها العديد من الدول وليس العراق وحده، بحاجة إلى معالجة تتعلق بمستويات الدخل للفرد العراقي، وأيضا تتعلق بمستوى الخدمات التي على الدولة ان تقدمها للأفراد، وأن يتم وضع الأسس العلمية والسليمة الهادفة لإصلاح جميع الجوانب السلبية والبالية، التي أصابت الاقتصاد العراقي منذ فترة ليست بالقصيرة. ولا بد من تشخيص الجوانب، التي تساهم في بقاء حالة الفقر والحرمان تنتشر في المجتمع العراقي دون ان تتلقى المعالجة الرصينة والجادة لخفض نسبة الفقر إلى ادنى مستوياتها، إن لم يتم القضاء عليها، ويتصدر الفساد أول قائمة الأسباب والذي يتطلب مواجهة فاعلة وتعاونا بين جميع السلطات، لشن حملة تتناسب مع حجم الفساد المستشري، الذي لا يجد تلك المواجهات أو العقوبات الرادعة، التي يمكن ان توقفه، ومن خلال تعاون الأجهزة الحكومية مع الرقابة الشعبية في المواجهة، وتشكل البطالة وعدم توفر فرص العمل للمواطن سببا آخر، في حين أن مشاريع القطاع الخاص والنهوض بتطوير الصناعة والسياحة والزراعة وتنويع الاقتصاد مع توفر الدعم الحكومي، وتجاوز الوسائل البدائية في العمل الوظيفي، يمنح فرصا للمواطن العراقي تمكنه من تجاوز خطوط الفقر، ونقلل بقدر الإمكان الاعتماد بشكل غير طبيعي على الوظيفة الحكومية وتضخم القطاع العام. وتشكل الكهرباء، المياه، التعليم، والصحة تدهورا في الخدمات بسبب الفساد وسوء الإدارة، ما يزيد من معاناة الفقراء ويعيق تحسين أوضاعهم المعيشية، بالإضافة إلى عدم دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وسوء إدارة الضرائب وعرقلة الاستثمارات، كل ذلك أدى إلى عدم وجود بيئة اقتصادية مستدامة تستطيع استيعاب الأيدي العاملة وتقديم الدعم للفقراء، وبالرغم من الميزانيات الضخمة التي يتم إقرارها كل سنة، إلا أن تلك الميزانيات تعاني من خلل في توزيع الموارد وتستأثر طبقة من الموظفين والسياسيين بأعلى نسب من هذه الأموال، بينما تبقى طبقة الفقراء تتراجع دون إمكانية دفعها إلى الامام مع وجود البطالة التي تجزها إلى الفقر. الفقر في العراق ليس بسبب قلة الموارد، بل بسبب سوء إدارتها، وغياب العدالة الاجتماعية، وانتشار الفساد. إذا تم إصلاح هذه الأمور، فإن العراق قادر على أن يكون من أغنى الدول، وليس من الدول التي يعاني ثلث سكانها من الفقر، مع اننا لا نتجاوز مرور العراق بحروب متتالية منذ الثمانينيات، إضافة إلى الاحتلال الأمريكي عام 2003 ونشوب الصراعات الطائفية والقاعدة وداعش، ما دمر البنية التحتية وأدى إلى نزوح ملايين العراقيين، وهذا انعكس على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، غير أن تحقيق العدالة في توزيع الثروات والتخطيط لتنوع الدخل ودعم الفقراء عبر برامج رعاية اجتماعية شفافة، وتوفر شروط جدية وهادفة للاستثمارات مع توفير دعم للقطاع الخاص، حينها سنحقق نسبة تدني بمستويات الفقراء، بعد ان تتوفر لهم الخدمات الأساسية التي تنسجم مع السياسات اللازمة للمعالجة.
*كاتب وصحافي عراقي