كيف تُترجم أعمالٌ قابلة للفوز بجائزة نوبل في الأدب؟

بولا فلوش
ترجمة: فايز بيضاني
أختتم قبل أيام "معرض بروكسل للكتاب 2025"، وكما هي الحال في معرض فرانكفورت، أفرد معرض بروكسل حيزاً مهماً للترجمة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من عملية نجاح وانتشار الأعمال الأدبية "والكتاب عموماً"، بل هي من أهم أسباب وصول الكاتب لجائزة نوبل.
وفي إحدى ندوات معرض بروكسل لهذا العام، تبادل ثلاثة مترجمون لكُتاب حازوا على جائزة نوبل في الأدب، الآراء حول جوهر مهنة الترجمة الأدبية، وحول دور المترجم كوسيط أدبي "أو ثقافي". كنا هناك، إليكم التفاصيل.
- هل نتخيل عندما نترجم مؤلفًا شابًا أو مؤلفة جديدة أنه أو أنها ستصبح شخصية مهمة في الأدب العالمي؟
- هل نخضع للنص ونندمج مع الكاتب، أم أن المسافة ضرورية؟
- أخيرًا، هل تتوج جائزة نوبل أيضًا، بطريقة ما، المترجم؟
كل هذه الأسئلة تم طرحها على ثلاثة مترجمين للفرنسية لمؤلفين حاصلين على جائزة نوبل في الأدب: ياسمين هوفمان، مترجمة إلفريدي يلينيك، وألبرت بنسوسان، مترجم ماريو فارغاس يوسا، وبيير بيسيو مترجم هان كانغ، آخر الحائزين على جائزة نوبل.
الكاتب والمترجم
كان المترجم بيير بيسيو متأكدًا تمامًا من أن المؤلفة هان كانغ سيتم ترشيحها يومًا ما من قبل أكاديمية نوبل. كما يشير إلى التطور الأدبي في عملها: "كل شيء مرسوم بدقة في روايتها. لا يوجد شيء بسيط على الإطلاق. كل شيء مصمم ومدروس في الكتاب وهذا واضح جدًا. هذا ما جعل روايتها ممتعة عند القراءة".
المترجم مقتنع تمامًا بالمؤلف الذي يترجمه، وإلا فلن يتمكن من الاندماج مع النص. وينطبق الشيء نفسه على ياسمين هوفمان، التي غامرت لنقل صوت كاتبة فريدة من نوعها. تصف المترجمة تجربتها كمغامرة؛ في الواقع، لم تعتبر دار النشر الفرنسية المعروفة "آكت سود" نصوص إلفرايدي يلينيك (وهي كاتبة بورنوغرافية نمساوية ذات أسلوب كتابة متقطع) أدبًا. لذلك أصبحت رواية "عازفة البيانو" أول كتاب من منشورات "شامبون" : "لقد كان عمل إلفرايدي يلينيك عملًا نضاليًا تحمست له كثيراً". ولم تكن المترجمة لتراهن أبدًا على جائزة نوبل: "في ذلك الوقت، كنت ناشطة بما يكفي لرفض هذا النوع من الجوائز!".
يعبر المترجمون الثلاثة بصوت واحد عن هذه النقطة: تربطهم علاقة صداقة بالكاتب الذي يترجمون له. لكن الاندماج العاطفي يمكن أن يكون أيضًا خطرًا في التقييم الواعي للنص، كما يوضحون.
المسافة والاندماج
تتسم العلاقة بين ألبرت بنسوسان وماريو فارغاس يوسا بالاندماج بشكل خاص، مثل الرابط المباشر الذي يشعر به المترجم منذ 50 عامًا، على الرغم من المسافة الجغرافية: "لقد وقع عليّ كهدية من السماء لم أكن أقدر أهميتها الحيوية في حياتي، لدرجة أنني، في إحدى المرات، اِنهرتُ في نفس الوقت الذي إنهار هو فيه رغم وجوده على بعد 10.000 كيلومتر. الآن، لدينا نفس كرسي الاسترخاء، ونتقاسم نفس الإحساس بالتعب".
يحب ألبرت بنسوسان أن يعيش مع مؤلفيه. مع كابريرا إنفانتي، على سبيل المثال، أمضى أيامًا يعيش في منزله في لندن. الشيء نفسه مع فارغاس يوسا، لأنه كان يشعر حقًا أن الاندماج يسمح له بتجسيد الصوت الفرنسي للنص. يصف نفسه على النحو التالي في وظيفته كمترجم: "أنا نسخة منه، قرد يشبهه، أناه الأخرى".
أن تكون قردًا يشبه المؤلف الأصلي، فكرة مخيفة بالنسبة لياسمين هوفمان، التي ترى النص ككائن أدبي بحد ذاته، دون الأخذ في الاعتبار التأثيرات الخارجة عن الأدب التي توحد المترجم والكاتب: "أعتقد أنه بالنسبة للمترجم، من الصعب جدًا إيجاد المسافة الصحيحة بينه وبين المؤلف والنص. ويجب أن تظل تلك المسافة مفهومًا مهمًا".
كتب ألبرت بنسوسان ذات مرة مقالًا بعنوان "أعترف أنني خنت". لكن الأمر مختلف بالنسبة لياسمين هوفمان التي تؤكد على وجوب الالتزام بالنص: "يجب علينا بالفعل ألا نخون الكاتب. هذا هو الأساس حقًا. لتحقيق ذلك، نلتزم بالنص".
يشدد باسكال كلود على أن علاقة الخضوع التام للنص الأصلي تطرح أيضًا العديد من الأسئلة الأسلوبيَّة، والتي تظهر بشكل خاص في حالة بيير بيسيو، الذي ترجم المؤلفة الكورية الشهيرة هان كانغ: "في اللغة الكورية، لا يوجد حقًا زمن ماضٍ، إنه أكثر سياقية. (...) وهناك أيضًا مشكلة في اللغة الكورية وهي التكرار. أي أنه ليس من الصادم على الإطلاق في اللغة الكورية أن يكون هناك الكثير من التكرار. هذا جزء من أسلوب الكتابة في تلك اللغة لكن، مع ذلك، هذا التكرار لا يتناسب دائمًا مع اللغة الفرنسية التي تنبذ التكرار".
تؤكد ياسمين هوفمان على كون الترجمة هي بوابة للدخول إلى الأدب، وكعلم "هي قلب كل كلمة ووضعها في سياقها. الأمر شخصي بالنسبة لي، لكن لدي حقًا نهج في النصوص التي أترجمها، أقول لنفسي من أين أتى؟ إلى أين يريد أن يذهب؟". وهكذا تسمح الترجمة بالكشف عن جوهر النص، وتقدمه للقارئ بشكل قريب الى ثقافته.