محمد عبد فيحان في اتحاد أدباء كربلاء

ثقافة 2025/03/24
...

  كربلاء: صلاح السيلاوي


ألقى الشاعر والكاتب المسرحي الدكتور محمد عبد فيحان على قاعة اتحاد أدباء كربلاء محاضرة بعنوان "شعرية الخطاب المسرحي" عبر أمسية أدارها الشاعر الدكتور حسين رضا وحضرها جمهور الأدب والثقافة في المدينة.

ابتدأت الأمسية بحديث مديرها عن سيرة المحتفى به بجوانبها الأدبية والعلمية والصحفية ماراً على بدايات المسرح في العالم والتجارب المسرحية المهمة التي قدمت نماذج متفردة في شعرية الخطاب المسرحي.

تحدث عبد فيحان في بداية محاضرته عن الشعرية بوصفها مصطلحا لا يتحدد بتعريف واحد على الرغم من حرص المنظرين لهذا المصطلح على توخيهم الدقة في تحديد ملامحه الشعرية والأدبية لافتا، إلى أن هذا المصطلح يخضع للتطور الثقافي والحركة المعرفية في الحياة. 

ثم أشار إلى ارتباط هذه الشعرية بالمسرح بوصفه أباً للفنون كونه من أكثر الخطابات تأثيراً وعمقاً وفلسفة، وكيف أنه يتسع نصيَّاً ليقدم عبر المسرح مجموعة من النصوص هي نص المؤلف ونص المخرج ثم الممثل والمتلقي والسينوكرافيا والفونوكرافيا. عرّجَ بعد ذلك المحاضر لذكر بعض تعريفات الشعرية ومنها تعريف تودوروف الذي يصنف الشعرية بأنها تسعى الى معرفة القوانين العامة التي تنظم ولادة كل عمل عندما ميّزَ بين ثلاث فعاليات موجهة لاستيعاب النص الأدبي هي وجهة النظر الاسقاطية والتطبيقية والشعرية. كما ذكر تعريفات أخرى لجوكابسون وياوس وكمال ابو ديب. 

ثم ذهب فيحان في محاضرته إلى أنه استطاع اختصار المفهوم العام للشعرية بأنها (النظام الجمالي في النص) بوصفه مفهوما عاما مؤكدا على أنه يعني بالنظام الجمالي مجموعة القيم الانسانية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والثقافية التي يبثها هذا النص للمتلقي مهما كان شكله. 

ثم تحدث عن شعرية النص المسرحي وخطورة أن يُقْدِم الشاعر على الكتابة للمسرح، لافتاً إلى أن شعرية النص تتحقق من خلال اللغة والانزياحات وما إلى ذلك من اللفظ والمعنى والأسلوب، عازياً ما وصفه بـ "فشل الشعراء في كتابة نصوص مسرحية حقيقية" إلى مجموعة من الأسباب دونّا جزءا منها كما يلي:

 1- إن الشعراء لا يتنازلون عن شروط كتابة القصيدة لصالح شروط أخرى خاصة بالمسرح.

2- إنهم يعتمدون على النظم الشعري الموزون وبذلك يخلقون رتابة ايقاعية تجعل المشاهد يمل منها عند تكرارها. 

3- يلجأ اغلب الشعراء الى موضوعات تاريخية أو دينية أو فلسفية ويتركون ما يمور به الواقع من أحداث يومية ساخنة لأسباب كثيرة منها أن البنية الشعرية الايقاعية يصعب عليها استيعاب مشكلات الواقع في حين يسهل عليها استيعاب مشكلات التاريخ ثم أن التصور القديم للربط بين الشعر والمسرح يظل في الذهن واغلبه يدور في الماضي والتاريخ. 

4- الكثير من الشعراء لا يعتني بالصراع والدراما ويستعيض عنهما باللغة والاستعارة الشعرية وهو ما يحول الفعل الدرامي الى السطح اللغوي دون ان يذهب بعيدا في فهم الصراع الفعلي.

 5- البنية الشعرية والأخرى الدرامية تسيران متوازيتين في العمل المسرحي وبينهما مسافة تخلقهما طبيعة كل من الشعر التقليدي والمسرح او بين الكلمة والفعل من دون ان يتداخلا مع بعضهما في عناق حقيقي للكلمة مع الفعل.

 6- عدم جدية الشعراء في البحث عن أسرار المسرح وترفعهم عن النزول إلى أعماق الحرفة المسرحية وفهم طبيعتها وحقيقتها وأبعادها وتلك التفاصيل الصغيرة في عمل المسرح. 

7- عدم القدرة على الفصل بين ايقاع الادب والفن في عصر الحداثة من 1868 الى 1945 وعصر ما بعد الحداثة من 1945 الى اللحظة الراهنة وعدم قدرتهم على تمثل الفروق على بين هاتين المرحلتين في نصوصهم والامتثال إلى المتغيرات الجذرية في الحياة والفن والاكتفاء بالإصغاء الى الوجدان فقط.

وأكد فيحان في محاضرته أن على الشاعر حينما يكتب للمسرح معرفة أن النص المسرحي هو واحد من أربع نصوص تظهر تباعا هي نص المؤلف والممثل والمخرج والمتفرج، وأن لكل واحد منها طريقة كتابة وفهم وتأويل، وقد يكون نص المؤلف أولها ولكنه ليس أهمها بالضرورة، مشيراً إلى أن شعرية النص في المسرح الشعري الحديث تتخلى عن العضلات الصوتية والبلاغية والايقاعية لصالح الإلماح والتركيز والإيجاز والصورة وبلاغة المعنى.

كما تحدث في جانب آخر من محاضرته عن علاقة قصيدة النثر والنص المفتوح بالمسرح وإمكانية الانتفاع منها بقوله: كل هذه المنجزات تحققت في قصيدة النثر وفي النص الشعري المفتوح، فلماذا لا يكون أساس المسرح الحديث أو مسرح ما بعد الحداثة في هذين النمطين الشعريين اللذين ما زالا بعيدين عن التعامل مع المسرح. لقد جرّب المسرحيون في عقد التسعينات استخدام قصيدة النثر في اكثر من عمل مسرحي مثل (حفلة الماس، وانيما، وقيامة شهرزاد، والجنة تفتح أبوابها متأخراً) فكان المتلقي يشعر بالشعرية تتسرّب داخل نسيج المسرحية من دون الحاجة الى إلقاء أو نظم شعري، فالشعرية في الحوار النثري وفي المعنى وفي الانتباهات المدهشة والغامضة وليست في القرع الوزني أو البلاغة الطنانة أو النظم.

ثم تحدث عن تجربة المسرحيين في استثمار النص المفتوح والشعرية التي يعمل على تقديمها المخرج والممثل ذاهباً إلى القول بتطور مفهوم الشعرية في المسرح من اللغة المنطوقة الى لغة الجسد حيث يكاد الممثل أن يتقدم على النص والاخراج في المسرح ما بعد الحداثي.

وقد أسهم بعض مثقفي المدينة بتقديم عدد من المداخلات ابتدأها الشاعر صلاح السيلاوي ثم الشاعر الدكتور لطيف القصاب والمؤرخ المسرحي عبد الرزاق عبد الكريم والناقد الدكتور عمار الياسري والشاعر هاشم الحلو والقاص حمودي الكناني. قدم بعدها رئيس اتحاد أدباء كربلاء الشاعر سلام البناي شهادة تقديرية باسم الاتحاد للمحاضر.