{باجرانغي بهايجان}.. براءة تصنع المعجزات

ثقافة 2025/03/24
...

 حسن الكعبي

نادرة هي الأفلام الهندية المصنوعة خارج مألوف الثيمات المكرورة والرؤى السطحية، التي تهيمن على صناعة الأفلام في بوليوود، الفيلم الهندي "باجرانغي بهايجان" للمخرج كبير خان واحد منها، وهو من تمثيل سلمان خان، وكارينا كابور، ونواز الدين صديقي، والطفلة هارشالي مالهوترا، وحائز على جائزة فير لأفضل قصة في العام 2015. يتناول الفيلم فكرة عميقة، عن إمكانية الحب في صناعة السلام، وتوحيد الطوائف المختلفة.

كما يطرح فكرة أن التفرقة وصناعة الكراهية، إنما هي نتاج لمهيمن سياسي يستمد قوته وسيطرته عبر هذه الصناعة الكريهة، وذلك عبر سردية مشوقة عن طفلة باكستانية مسلمة خرساء، تقرر أسرتها أن ترسلها إلى مومباي للتوسل بأضرحة الأولياء من أجل شفائها، بناءً على مشورة جد الطفلة، الذي أقنع الأسرة بإمكانية شفائها، وبعد عودة الطفلة مع أمها من الهند إلى باكستان يتوقف القطار نتيجة لعطل مفاجئ، وخلال فترة التوقف تغط الأم في نوم عميق، فتنزل الصغيرة لمساعدة جدي عالق في حفرة، وإبان ذلك يغادر القطار تاركاً، الصغيرة التي تستقل قطاراً آخر عائداً إلى الهند.

تجد الصغيرة نفسها في مدينة مومباي المزدحمة، وتشعر بالضياع والاحباط، وتقودها غريزتها الطفولية، للاستنجاد برجل يؤدي طقوس ديانته البراهمية (سلمان خان)، الذي ما إن يراها، حتى يبادر إلى مساعدة الطفلة، لكنه يقع في حيرة نتيجة عدم قدرته على فهم من أين أتت الطفلة أو من هي أسرتها، فيتخذ قراراً بتسليمها إلى مركز الشرطة، فيقترح عليه الضابط المسؤول، أن تكون الصغيرة البكماء في ضيافته، وفي حال عثورهم على ذويها فسيبادرون إلى أخذها منه، وفي سياق الأحداث المشوقة، يكتشف باجرانغي ( سلمان خان) ونتيجة علامات دالة، ديانة الطفلة والمنطقة التي تنتمي إليها - أي باكستان-  وإزاء هذا الاكتشاف، يجد نفسه في ورطة كبيرة،

إذ من الصعب وجود طفلة مسلمة  في مجتمع ابراهمي متعصب و يعادي الديانة الإسلامية، خاصة بعدما تكتشف أسرة خطيبته السر، ما اضطره  إلى المغامرة بتهريبها إلى قريتها الباكستانية، على الرغم من تصاعد التوتر بين البلدين الجارين واغلاق الحدود بينهما، إثر أعمال الشغب الحاصلة في

المنطقة.

يلقى القبض على باجرانغي بتهمة التجسس على باكستان، ويصعد الحدث إعلامياً عن طريق الصحفي الباكستاني ( نواز الدين صديقي )، لكن باجرانغي يتمكن من الهرب مع الصغيرة، ويتابعه الصحفي الذي يتعرف على نواياه الصادقة في محاولة إعادة الطفلة البكماء إلى ذويها، فيتعاطف معه ويعيد صياغة القصة الصحفية المفبركة بشأن جاسوسية باجرانغي، ويفاجأ برفض السلطات الباكستانية هذا التعديل الإنساني للقصة، وتصر على الرواية المفبركة التي تخدم أغراضها السياسية، فيطارد باجرانغي وتتمكن السلطات الباكستانية من القبض عليه، فيما يتكفل الصحفي بكمال مهمة ايصال الفتاة إلى أهلها، ويعمل على توثيق هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر وتصويرها، ثم بثها على وسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك  يثبت النوايا السليمة لباجرانغي، ينتشر الفيديو الذي يتحدث عن قصة الطفلة البكماء ومنقذها، إذ يتعاطف الجمهور الباكستاني والهندي بمختلف طوائفه وديانته، مع سردية باجرانغي، وتتحدى الجماهير قوانين السياسات الصرامة، وتضغط على السلطات لإطلاق سراح باجرانغي، الذي يحظى بحريته كاملة..  ففي لقطات مؤثرة يصور عبوره الحدود، وسط هتاف سور جماهيري من الجانب الهندي والباكستاني، لينتهي الفيلم بمشهد صراخ الطفلة البكماء على باجرانغي، في ترميز عال ودال على إمكانية أن يصنع الحب المعجزات الظواهرية، التي قد تعجز عنها المعطيات العلمية والثقافية.

 الفيلم بث رسالة مفادها؛ أن المحبة قادرة على اختراق الأسيجة الدوغمائية، التي وضعتها السلطات السياسية، التي تسعى لإدارة هيمنتها عبر الكراهية والتفرقة، ورغم أن الفيلم رسم مشهداً مبالغاً به، في تصوير القدرة الخارقة للحب في صناعة المعجزات، إلا أن هذه الترسيمة مقنعة تماماً، وتكتسب أهمية في الترميز العالي لإمكانية التعايش السلمي بين الطوائف، من خلال سردية الحب والبراءة، التي أوصلها هذا الفيلم الرائع إلى المتلقي، عن طريق قصة متميزة وأداء فني بارع، لفريق التمثيل، بدءاً بالنجم سلمان خان، والطفلة هارشالي مالهوترا، وانتهاء بنواز الدين صديقي، وباخراج احترافي متحكم بإبراز المشاهد المؤثرة في تجسيد رسالة الحب، ضمن سردية هذا الفيلم 

المتميز.