ضفاف دجلة تتحول الى مكب للنفايات

ريبورتاج 2025/03/25
...

  بغداد: ودق الجميلي

  تصوير: أحمد جبارة


منظر نهر دجلة، الذي طالما كان رمزاً للجمال الطبيعي، بات يشوهه اليوم تراكم النفايات على ضفافه. أكوام من البلاستيك والزجاجات الفارغة وعلب الطعام تملأ جوانب النهر، ما حول هذا المعلم التاريخي إلى مجرى مائي ملوث يزيد من تدهور الوضع البيئي في البلاد.

هذه النفايات لا تقتصر على تشويه المنظر فحسب، بل تشكل تهديدا مباشرًا على التنوع البايولوجي في النهر، حيث تصعب الحياة على الكائنات المائية وتزيد من تلوث المياه.

وفقًا للمتحدث رمضان حمزة، خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ، فإن نهر دجلة في العراق يعاني من أزمة تلوث بيئي خطيرة تؤثر بشكل كبير في جودة المياه والنظام البيئي في المنطقة. يشير حمزة في حديثه لـ"الصباح" إلى أن تراكم النفايات الصلبة والبلاستيكية على ضفاف النهر يشكل حوالي 40 بالمئة من إجمالي التلوث في بغداد، حيث يُصَرف يوميًا نحو 400,000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة في النهر، ما يزيد من تفاقم المشكلة.

كما يوضح أن التلوث الكيميائي يشكل تهديدًا خطيرًا أيضًا، اذ تسرب المعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم والزرنيخ من المصانع إلى مياه النهر، ما يؤدي إلى تجاوز تركيزات هذه المواد للمعايير الدولية بثلاثة أضعاف، مضيفا أن محطات التبريد الصناعية تسهم في رفع درجة حرارة المياه بنسبة 15 بالمئة، مما يؤدي إلى اختفاء 60 بالمئة من الكائنات المائية، مثل الأسماك والنباتات المائية، بسبب نقص الأوكسجين المذاب في المياه.

وأشار حمزة إلى أن المخلفات الصناعية، مثل تسرب النفط من المصافي التي تصل إلى 10 أطنان شهريًا، إضافة إلى مياه التبريد الحرارية من محطات الكهرباء، تُسهم في التلوث. كما يتم تصريف سوائل تحتوي على مواد كيميائية علاجية من المستشفيات، ما يزيد من تفشي التلوث. علاوة على ذلك، يتم التخلص يوميًا في بغداد نحو 85 طنًا من البلاستيك، إلى جانب مخلفات المجازر المنزلية غير المرخصة.

وفي إطار الحلول المقترحة، أكد حمزة أهمية تعزيز الرقابة البيئية من خلال تفعيل "الشرطة البيئية" وفقًا لقانون حماية البيئة، فضلاً عن تطبيق تقنيات المعالجة وتدوير المخلفات إلى غاز وكهرباء، وهي تقنيات يمكن الاستفادة منها في تنظيف نهر دجلة وحمايته من التلوث المستمر.

وتعد تجمعات النفايات على ضفاف نهر دجلة من أكبر التحديات البيئية، التي تؤثر في البيئة والنظام البيئي للنهر، اذ تسهم النفايات الصلبة، خصوصًا النفايات البلاستيكية، في تلوث المياه وتدهور نوعيتها، مما يزيد من مستويات التلوث ويؤثر في الحياة المائية. وبالرغم من أن وزارة الموارد المائية تتحمل المسؤولية الأساسية في حماية الضفاف، فإن أمانة بغداد تلعب دورًا بارزًا في تنظيف هذه المناطق والحفاظ على جمالية النهر في حدود مناطقها.

وأكد عدي الجنديل، المتحدث الرسمي باسم أمانة بغداد، أن الأمانة تواصل حملاتها المستمرة في تنظيف ضفاف نهر دجلة، بالرغم من أن مسؤولية هذه الضفاف تقع على عاتق وزارة الموارد المائية. حيث تمتد مسؤوليات الأمانة من منطقة التكسية وحتى الشوارع المحيطة. وأضاف أن الأمانة تقدم الدعم لمنظمات المجتمع المدني، التي تشارك في أنشطة تنظيف ضفاف النهر، من خلال تزويدها بالآليات والمعدات اللازمة.

وأشار الجنديل إلى أن هذه الجهود تشمل حملات مثل "سفراء النظافة"، التي شهدت نشاطًا ملحوظًا في الفترات السابقة. وفي بعض الحالات، تتخذ الأمانة خطوة إضافية وتنزل مباشرة إلى الضفاف للمساهمة في تنظيفها، بهدف تحسين البيئة العامة حول النهر. كما أضاف أن الأمانة توفر الحاويات والعجلات الخاصة بنقل النفايات، وتدعو المواطنين بانتظام إلى ضرورة الامتناع عن رمي النفايات في هذه المناطق التي تعد واجهة بغداد الكبرى. وأكد الجنديل أن المواطن أيضًا يلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على نظافة النهر من خلال المشاركة في حملات التنظيف.

من جهة أخرى، تحدث لؤي المختار، المتحدث الرسمي باسم وزارة البيئة، عن الدور الذي تقوم به الوزارة في مراقبة التلوث المائي في نهر دجلة. حيث أكد أن تلوث الأنهار في العراق لا يقتصر فقط على النفايات الصلبة، بل يشمل أيضًا المياه العادمة الناتجة عن الصرف الصحي والصرف الصناعي. ويشمل ذلك التصريف اليومي للعديد من الملوثات مثل مياه الصرف الصحي غير المعالجة، التي تضاف إلى النهر وتزيد من تدهور نوعية المياه. وأوضح المختار أن الوزارة تنفذ فحوصات دورية على مجموعة من النقاط المحددة على ضفاف النهر، حيث تُأخذ عينات من المياه وتحلل في المختبرات باستخدام أجهزة متخصصة للكشف عن الملوثات.

وأشار إلى أن الوزارة تعتمد في عملها على القوانين البيئية، بما في ذلك قانون حماية وتحسين البيئة، الذي يتضمن فصلًا خاصًا لحماية المياه. وتضمن هذه التشريعات وضع معايير لحماية مصادر المياه وضمان جودة المياه في الأنهار. وأضاف أن الوزارة تستهدف أيضًا الفحص الدوري للمياه للكشف عن تلوث بكتيري أو معد، بما في ذلك جراثيم مسببة لأمراض مثل الكوليرا، التي قد تنتقل عبر المياه الملوثة.

وإلى جانب التلوث البكتيري والمعدي، نوه المختار بأنواع أخرى من التلوث، تشمل الأملاح والمعادن الثقيلة مثل الكبريتات والنترات. وأوضح أن هذه الملوثات قد تنبع من مختلف المصادر، بما في ذلك الأنشطة الزراعية والصناعية، التي تسهم في زيادة مستويات الأملاح في المياه. كما تتم مراقبة العناصر النزرة والمواد الهيدروكربونية مثل الزيوت، التي قد تسهم في تلوث المياه في بعض المناطق. وتخضع هذه المواد للفحوصات الدورية لضمان عدم تجاوزها للحدود المسموح بها في المياه.

وأكد المتحدث أن الرقابة المستمرة هي أحد العوامل الأساسية في الحفاظ على صحة النهر. وقال إن الوزارة تبذل جهودًا مستمرة لتنفيذ إجراءات مراقبة متكاملة، مع العمل على تطوير وسائل الرقابة المستخدمة، مثل تحسين الأجهزة المحمولة، التي تساعد في قياس مستويات التلوث بدقة أعلى. كما تحدث عن دور وزارة النفط في مراقبة التلوث النفطي، حيث تشرف على الهيئة المختصة بمكافحة التلوث النفطي وتستخدم معدات متطورة لمعالجة أي بقع نفطية قد تظهر في النهر.

وأضاف أن جميع الأنشطة التي تُنفذ على ضفاف النهر، سواء كانت صناعية أو سياحية أو زراعية، يجب أن تحصل على موافقة من وزارتي البيئة والموارد المائية لضمان عدم تأثيرها على نوعية المياه في النهر. وفي هذا السياق، تشترك جميع الجهات المعنية، بما في ذلك وزارة الصحة، في تأكيد أن النهر يمثل مصدرًا حيويًا للمياه، ويجب أن يتم الحفاظ عليه نظيفًا وصالحًا للاستخدام البشري.