باب الله

آراء 2019/07/09
...

د. كريم شغيدل
أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) آثار بابل على لائحة التراث الإنساني، مشترطة إزالة التغيرات التي طرأت عليها، ولعلَّ أفظع تلك التغيرات ما قام به الطاغية المقبور من تغليف للآثار بطابوق حديث نقش عليه(ص. ح) في واحدة من مظاهر الهوس الاستبدادي وجنون العظمة، هناك أيضاً قصر شيده المقبور قرب الآثار، ولا نعلم إن كانت(يونسكو) تشترط إزالته أو إمكانية توظيفه بصفة مرفق سياحي أو متحف، فضلاً عن مستنقعات مائية تحيط وأنبوب نفط، وبهذه المناسبة نحيي جميع الجهود التي بذلت، بدون استثناء، وكلنا أمل ومتفائلون مثلما تفاءلنا يوم أدرجت أهوار العراق على اللائحة 
ذاتها.
السياحة ثروة لا تقل أهمية عن أية ثروة طبيعية، ففي عالمنا دول لا تملك إلا القليل من الموارد، إلا أنها نجحت في جعل السياحة موردها الأول، لكننا في العراق، للأسف الشديد، لا نمتلك رؤية استراتيجية لحد الآن بتوظيف قطاع السياحة واستثمار وارداته، ولعلَّ الجانب الأمني على رأس العوامل التي تعيق انتعاش هذا القطاع، فالسائح الأجنبي لا يزال يتوجس خيفة بسبب ضعف الأجهزة الأمنية من جانب وتفشي ظاهرة التسلح خارج إطار الدولة من جانب آخر، العامل الثاني وبلا أدنى تردد هو اتساع المد الديني المتطرف الذي يعد العراق دولة إسلامية يحرم فيها كل ما يستهوي السائح أو يحقق له حريته الشخصية في الملبس والمأكل والمشرب، بل إن مجمل الخطاب الديني المتطرف يعد الآثار مظاهر وثنية تجسد الشرك وينبغي تهديمها كما هدمت أصنام قريش في فتح مكة، وهو ما يتعارض مع المفهوم الإنساني والثقافي 
للآثار.
ما قلناه عن الأهوار سابقاً نقوله الآن عن بابل، ينبغي المحافظة على البيئة الآثارية كما هي، وإزالة كل ما هو طارئ عليها، إقامة منشآت قريبة خارج البيئة، مطار وفنادق وسوق تراثي ومطاعم وكازينوات وربما سكة قطار أو تلفريك أو مترو ودور استراحة وما شاكل ذلك، ومنح تسهيلات دخول للمجموعات السياحة
، والتنسيق مع الشركات السياحية لجذب السياح
، وتنشيط الجانب الإعلامي الذي يسلط الأضواء على أهميتها، وعمل دعاية عالمية تبرز تميزها وتفردها، والأهم من ذلك جعلها منطقة سياحية محصنة توفر الأمن والحرية للسياح، فبابل أولى الحضارات، وهذا القرار لا يضيف إليها شيئاً وفيها الجنائن المعلقة واحدة من عجائب الدنيا السبع
، بل يلفت الانتباه إليها بعدما طالها التشويه والإهمال بسبب سياسات النظام الاستبدادي المقبور والتحديات الأمنية التي واجهها العراق بعد سقوطه
، ننتظر عملاً حقيقياً جاداً يليق ببابل وتاريخها ومكانتها في الذاكرة الإنسانية
، وألا يسمح للجهات المشبوهة الفاسدة بقضم ما يخصص من أموال للنهوض بواقعها، والأسلم منحها كمشروع استثماري لشركات سياحية عالمية مختصة مع توفير غطاء أمني، ونتمنى ألا يتكرر على أرض بابل بعض الذي حدث في الأهوار، فهي باب الله الذي سيدر خيراً وفيراً إذا ما استحسن 
استثماره.