أجواء روحانيَّة تجمع القلوب وتفيض بالنور

منصة 2025/03/26
...

  بغداد: مهند الكيلاني 


يحيي المسلمون في هذه الليلة بمختلف الأضرحة والمساجد شعائر احياء ليلة القدر في أجواء روحانية تغمرها السكينة والطمأنينة، ومنها الحضرة القادرية بمشاركة جمع غفير من المصلين والزائرين بالتضرع إلى الله بالدعاء والاستغفار والتقرب إليه بأعمال البر والطاعة والتلاوات القرآنية والابتهالات.

وفي كل ليلة قدر من كل عام تتوافد أعداد كبيرة من الرجال والنساء والشباب والزائرين من دول مختلفة إلى الحضرة القادرية، حيث تمتلئ أروقتها وساحاتها بالمصلين الذين يحملون في قلوبهم شوق اللقاء بهذه الليلة التي تعد أعظم ليالي العام وأكثرها أجرا وبركة، مرددين في جنبات المسجد الأدعية وآيات الذكر الحكيم، في مشهد مهيب يعكس الأثر العظيم الذي تتركه هذه الليلة في النفوس.

وتحدث متولي الاوقاف القادرية السيد خالد عبد القادر منصور الكيلاني في تصريح لـ"الصباح"،  عن فضل هذه الليلة ومكانتها في الإسلام قائلا : أنها ليلة تتنزل فيها الرحمات وتغفر فيها الذنوب وتعتق فيها الرقاب من النار، ومن أدركها وأحياها بإخلاص وصدق فقد نال خيرا عظيما لا يدرك مداه إلا الله، داعيا الحاضرين إلى استغلال هذه الليلة المباركة في الطاعات والدعاء والتوبة.

وأشار إلى أن الحضرة القادرية كانت على الدوام منارة للذكر والعبادة في مثل هذه المناسبات، حيث يجتمع فيها أهل الإيمان لتجديد العهد مع الله والتمسك بالقيم الروحية التي تنير القلوب وترفع الهمم، داعيا في الوقت نفسه إلى التمسك بمبادئ الإسلام السمحة والسير على نهج الصالحين الذين جعلوا من هذه الليلة محطة إيمانية للارتقاء الروحي.

من جانبه أوضح إمام وخطيب جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني الشيخ بشار المشهداني لـ"الصباح"، ان أهمية ليلة القدر تكمن في أنها خير من ألف شهر وللعبادة فيها  فضل عظيم لا ينبغي تفويته "، مؤكدا انها فرصة لمراجعة النفس وتصحيح المسار والتوبة إلى الله بقلوب صادقة ونوايا خالصة.

متابعا أن هذه المناسبة ليست مجرد طقس ديني، وإنما هي لحظة تحول روحي في حياة الإنسان، حيث يتجدد الإيمان وتتقوى العزائم لمواصلة السير على طريق الهداية والاستقامة، مشددا على ضرورة اغتنامها بالدعاء وقراءة القرآن والإكثار من الصلاة والصدقات وأعمال البر.

وأكد المشهداني في حديثه على القيم السامية التي تحملها ليلة القدر والدروس التي ينبغي استخلاصها منها، لافتا إلى أنها تمثل فرصة عظيمة للعودة إلى الله بكل إخلاص وتفان، منوها بأن القلوب التي تخلص لله في هذه الليلة ستنال من بركاتها وخيراتها ما لا يمكن تصوره.

واستذكر حال السلف الصالح وكيف كانوا يتضرعون إلى الله بالدموع والخشوع، طالبين المغفرة والرحمة، حاثا على الإكثار من الدعاء المأثور الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين سألته عن أفضل دعاء يقال في ليلة القدر فقال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

من جهته أفاد الشيخ فؤاد العطار وهو من رواد الحضرة القادرية ومن وجهاء منطقة باب الشيخ، لـ"الصباح"، بأن  أجواء ليلة القدر في الحضرة القادرية لا تقتصر  على الخطب والدروس، بل امتدت إلى التلاوات القرآنية التي أضفت على المكان هيبة وروحانية، اذ ينصت لها الجميع بخشوع وتأمل وقلوب يملأها نور الإيمان والطمأنينة، قائلا إن الأصوات الشجية التي ترتفع في أرجاء الحضرة تملأها سكينة وروحانية، وتجعل الحاضرون يتفاعلون مع معاني الآيات التي تحث على التوبة والرجوع إلى الله والدعوة إلى الخير والسلام.

وأضاف أن مع اقتراب الساعات الأخيرة من الليل يتوجه المصلون إلى إقامة صلاة القيام، حيث يصطف الجميع في صفوف متراصة لتأدية الصلاة بخشوع بالغ، اذ تمتد الركعات طويلا وتتعالى فيها  أصوات التكبير والتضرع وهو مشهد يبعث على السكينة والراحة النفسية، منبها على ان كل عام في هذه الليلة تشهد الحضرة توافدا كبيرا من الشباب، لحرصهم على أداء الصلاة والدعاء والتفاعل مع الأجواء الإيمانية التي تسود الحضرة، كما تشهد ليلة القدر من كل عام حضورا لافتا للعائلات التي تأتي بصحبة أطفالها ليشهدوا هذه اللحظات العظيمة ويتعلموا من روحانيات الليلة المباركة.

واستدرك الشيخ العطار، كما أن الاعتكاف يعد أحد الطقوس التي تتميز بها ليلة القدر في الحضرة القادرية، حيث يختار الكثير من الحاضرين البقاء حتى الفجر مخصصين هذا الوقت للعبادة والتفكر والدعاء طلبا للرحمة والمغفرة، ومع بزوغ الفجر يودع المصلون الليلة العظيمة بقلوب مفعمة بالأمل والسكينة بعدما قضوا ساعاتها في الذكر والدعاء والتقرب إلى الله، ليخرجوا منها بروح جديدة وإيمان متجدد وعزيمة أقوى على المضي في طريق الخير والهداية.

وختم العطار حديثه بالقول إن  ليلة القدر في الحضرة القادرية  ليلة لا تنسى، يعيش فيها الحاضرون لحظات من الصفاء الروحي والتجلي الإيماني وسط أجواء من الخشوع والطمأنينة، حيث تمتزج فيها دموع الخشية بأنوار الرجاء، وأصبحت ذكرا عالقا في القلوب ينتظر الجميع عودته في العام المقبل.