مالك الدلفي
يفهم أغلب الناس مراد النبي (ص) من قوله في خطبته بمناسبة حلول شهر رمضان: "أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة… أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة" على أنه دعوة إلى الإكثار من النوم، وقضاء الشهر المبارك بين الأكل والراحة فقط.
وهذا فهم خاطئ للمراد الحقيقي من كلام النبي (ص)، حيث يوضح بعد ذلك أن كل عملٍ يُؤدَّى في هذا الشهر مقبول عند الله. وهذه ميزةٌ اختُصَّ بها رمضان، وجائزةٌ إلهية عظيمة، إذ جعل الله تعالى كل حركة وسكنة، مهما كانت صغيرة، ذات أجر وثواب.
فحتى النوم، الذي يكون في غير رمضان مجرد راحة، يصبح في هذا الشهر قربةً إلى الله، وكذلك أنفاس الإنسان، فكل شهيق وزفير لا يكون مجرد عملية فسيولوجية، بل يُعدّ نوعًا من التسبيح والذكر الإلهي، وهو من مظاهر اللطف الإلهي على عباده.
لكن هل يعني ذلك أن يقضي الإنسان الشهر المبارك في النوم والكسل؟ بالطبع لا. فهذا الشهر مليء بالمكرمات الإلهية والفرص العظيمة، التي لا تُنال إلا بالاجتهاد في العبادة والتهجد والإكثار من الطاعات. وإذا قرأنا الخطبة بتأنٍ، سنجد أنها تؤكد هذا المعنى، حيث يقول النبي (ص):
"أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى أقسم بعزّته أن لا يعذب المصلّين والساجدين، وأن لا يروّعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين".
إذن، المراد من قول النبي (ص) "نومكم فيه عبادة" ليس الحث على قضاء الشهر بالنوم والتكاسل عن الطاعات، بل بيان أن كل شيء يقوم به المؤمن في هذا الشهر له ثوابه وأجره عند الله، حتى أبسط الأمور كالنوم والتنفس.
ولا يقتصر هذا الفضل الإلهي على النوم وحده، بل يشمل حتى الصمت، كما ورد عن الإمام الصادق (ع): "نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله متقبَّل ودعاؤه مستجاب".
وهذا نوع من التحفيز والترغيب، فالمؤمن إذا اجتنب الغيبة والنميمة والكذب، وصمت عن كل قولٍ يُذهب بأجر صيامه، فإن صمته يُعدّ تسبيحًا، وهو فضلٌ إلهي عظيم.
وعليه، ينبغي للصائم أن يغتنم هذا الشهر المبارك خير اغتنام، بالإكثار من العبادة، والتهجد، والاستغفار، والابتعاد عن المعاصي، وكل ما يُنقص من أجر الصيام والقيام .