قراءة في رسالة اليوم العالمي للمسرح (تساؤلاتٌ بلا أجوبة)

ثقافة 2025/03/27
...

  حيدر عبد الله الشطري


كلّفت الهيئة الدولية للمسرح هذا العام المخرج المسرحي اليوناني ثيودوروس تيزوبولس بكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح لعام 2025.

وقد استهلَّ المخرج ثيودوروس رسالته التي قام بكتابتها بسؤال كبير يبحث بجدية عن أجوبة، ويدور في فلك دور المسرح الذي كان معروفًا به دومًا في الدفاع عن الإنسانية التي بدأت تفقد الكثير من معانيها في عالم جديد، تحوّل فيه الناس إلى روبوتات ميكانيكية، تتحكم فيهم أنظمة سياسية تقمع دائمًا حرية الإنسان. حيث يقول: "هل يستطيع المسرح أن يصغي إلى نداء الاستغاثة الذي تطلقه أزمنتنا، في عالم يجد فيه المواطنون أنفسهم مفقرين، محبوسين داخل زنازين الواقع الافتراضي، منغلقين على ذواتهم في عزلة خانقة..؟". وهو بذلك يؤكد ويُذكّر بمهمة المسرح في تناول القضايا الكبرى التي كانت دائمًا شغل الإنسان الشاغل.

ثم تتوالى سلسلة الأسئلة التي نتبيّنها في ثنايا الكلمة، والتي حرص كاتبها على إثارتها والتركيز عليها في محاولة التأسيس لخطاب فكري وأخلاقي مسؤول، يقف فيه بجانب الإنسان وقضاياه الملِّحة. وهو بعد ذلك يثير قضية تلوث البيئة، من الاحتباس الحراري إلى فقدان التنوع البيولوجي، وتلوث المحيطات، والظواهر المناخية المتطرفة، وموقف المسرح منها، وكيفية التعامل معها وطرحها على الخشبة، حيث يقول: "هل يكترث المسرح للدمار البيئي؟ وهل يمكن للمسرح أن يصبح طرفًا فاعلًا في النظام البيئي؟".

وهو يؤكد هنا صعوبة تعامل المسرح مع هذه الظواهر، ويُبين عجزه عن تناولها والبحث في محاولة إيجاد حلول لتلافيها.

وهكذا يسير الخطاب (الكلمة) في مسيرته الاستعراضية إلى إثارة مجموعة من الأسئلة المنتقاة بوعي متوقد عالٍ، فيصل إلى التعريض لمسألة في غاية الأهمية، يكشف فيها الوضع الإنساني في القرن الحادي والعشرين، حين يصبح الإنسان أداةً تحركها القوى السياسية العظمى في خدمة مصالحها الخاصة، من خلال عالم الميديا الجديد ووسائل الاتصال الحديثة. فيقول: "هل يشعر المسرح بالقلق.. حيث تتحول وسائل التواصل الاجتماعي، رغم دورها الكبير في تسهيل التواصل، إلى ذريعة قوية للابتعاد؟ فهي تمنحنا مسافة الأمان المطلوبة بيننا وبين الآخر. إن شعور الخوف من الآخر، المختلف، الغريب، يسيطر على أفكارنا ويوجه أفعالنا" وهو هنا يحاول إبراز دور المسرح الفكري والثقافي في مواجهة التحديات التي تواجهه من الجهات الإعلامية التي تسيطر على الخطاب العالمي في العالم الجديد.

وتظل الأسئلة تدور في دائرة اختطها كاتب الرسالة، وتبحث عن الأجوبة المثالية لها. ويظل موضوع الإنسان هو الرابط الأخلاقي الذي يربط بينها، وكيف يمكن أن يستوعب المسرح قضايا التعايش الإنساني باعتباره منبرًا حراً للإنسانية ومدافعًا عنها. وهو هنا يحاول أن يضع بعض الحلول في رجوع المسرح إلى مواضيعه وتناولاته القديمة، حيث يقول: "إن الجراح النازفة تدعونا إلى إعادة بناء الأسطورة".  فالأسطورة وسيلة ناجعة لمواجهة التدمير المتعمد للحضارة الإنسانية بكل ما تحمله من معانٍ كبرى. فالمسرح ومنذ تشكُّلاته الأولى كان يعنى بتسليط الضوء على الأمراض الاجتماعية، باعتباره ممارسة إنسانية تعنى بعرض مظلومية وعبودية الإنسان، وهذا هو دوره الحقيقي منذ نشأته.

ولأن الأسئلة تبقى أهم من الأجوبة، لأنها دائمًا تثير الكثير من القضايا المهمة، لذلك يؤكد المخرج اليوناني ثيودوروس في كلمته تلك على أننا يجب أن نستمر في إثارة تلك الأسئلة، مادام ليس هناك إجابات نهائية لها، وأن ذلك من أقوى أسباب ديمومة المسرح ومبررات وجوده. فهي أسئلته الأولى ومواضيعه البكر في البحث عن معاني الأشياء منذ ظهوره عند الإغريق، ولكونه حلقة وصل بين الأزمنة، لذلك امتدت رسالته إلى يومنا هذا.

وأخيرًا، يؤكد كاتب الرسالة على حاجتنا في البحث المستمر والواعي والدؤوب إلى استنبات أساليب تقديمية جديدة تهدف إلى مجاراة المشاكل الإنسانية التي تستجد يومًا بعد يوم، وتتزايد مع الحراك السياسي والاقتصادي المتسارع الذي ينتاب العالم.

ونحن بذلك نضع المسرح أمام مسؤولياته الأخلاقية الكبرى، وأفكاره التي يتبناها في ظل عالم تتلاطم فيه المصالح وتتعدد فيه الطرق المظلمة على حساب مصالح الإنسان، الذي يقف عاجزًا أمام كل تلك التحديات التي تواجهه.

وبذلك تكون كلمة هذا العام لليوم العالمي للمسرح امتدادًا للكلمات التي كتبت في الأعوام السابقة في منحاها الثوري والدعوة الى التغيير، وتأكيد دور المسرح في ذلك.