شهد الخطيب
يواجه المسرح العراقي أزمة حقيقية تتمثل في عزوف الجمهور عن حضوره، مما يهدد استمراريته كأحد أهم الفنون الثقافية في البلاد.
ويرى عدد من المخرجين العراقيين أن أسباب هذا التراجع متعددة، أبرزها التغيرات السياسية والاقتصادية، وضعف الدعم الحكومي، إضافة إلى تأثير التكنولوجيا الحديثة وغياب العنصر النسائي عن الساحة المسرحية. وعلى الرغم من هذه التحديات، لا يزال المسرحيون يؤمنون بإمكانية استعادة مكانة المسرح من خلال حلول تستند إلى التجديد والابتكار والدعم المؤسسي الفاعل.
انحسار الجمهور
ويعتقد المخرج غانم حميد أن تراجع الإقبال الجماهيري على المسرح يعود إلى التحولات السياسية والاقتصادية، التي أثرت بشكل مباشر في طبيعة الإنتاج، مشيراً إلى أن فترة الحصار الاقتصادي أجبرت المسرحيين على تقديم أعمال بعدد محدود من الممثلين، مما قلل من زخم الإنتاج، لكنه يؤكد أن المسرح العراقي ظل جادًا ومنافسًا عربيًا وعالميًا رغم تلك التحديات.
ويضيف حميد أن "غاية المسرح هي الجمهور، لذلك قرر منذ البداية الاقتراب من الجماهير من خلال إعداد تجارب تخاطبهم مباشرة، كما دعا زملاءه إلى العمل على تخليص المسرح من غربته وإعادة ربطه بالناس".
ويرى أن المسرح العراقي ظل مؤثرًا داخليًا وخارجيًا، لأنه يحمل قضايا إنسانية كبيرة ومتنوعة، لكنه تأثر بانحسار جمهوره نتيجة التقدم التكنولوجي ووسائل التواصل الحديثة، ما جعل العالم قرية صغيرة وأدى إلى تراجع الاهتمام بالفن المسرحي.
ويشير حميد إلى أن المسرح العراقي ما زال حرًا في أفكاره، لكنه يعاني من ضعف الإنتاج والإشراف، وهو ما انعكس على حضور الجمهور الذي أصبح باهتًا وغير مشجع على استمرار المسرح في أداء دوره.
ويؤكد حميد أن المسرح في المحافظات يشهد حضورًا أكثر رصانة وقوة مقارنة بمركز العاصمة، لكنه يرى أن المشكلة الكبرى التي تعيق تطور المسرح العراقي هي غياب الدعم الحكومي، وقلة المسارح المتطورة تقنيًا، وضعف الأجيال الفاعلة في تحديث آليات المسرح الحديث، إلى جانب التحديات التي يفرضها غياب العنصر النسائي في العروض المسرحية.
نصوصٌ فلسفيَّةٌ أو غرائبيَّة
من جانبه، يربط المخرج حيدر منعثر أزمة المسرح العراقي بحركة الاقتصاد، موضحًا أن المسرح لا ينفصل عن تقلبات السوق ومتغيراته، حيث إن الاقتصاد هو المحرك الأساسي للمجتمع، لكن المسرح العربي لم يواكب هذه التحولات بالشكل المطلوب، بينما قدم المسرح الغربي أعمالًا احتجاجية تناولت قضايا البطالة والتضخم والتحولات الرأسمالية وتأثيراتها على المجتمع.
ويرى منعثر أن المسرح العراقي ظل منشغلًا بموضوعات الحرب والتغيرات السياسية، مما أدى إلى انحسار جمهوره، وجعل المسرح الجاد نخبويًا أكثر من كونه جماهيريًا.
ويؤكد منعثر أن المسرح العراقي بحاجة إلى مراجعة ووقفة جادة، حيث يلاحظ أن هناك إشراقات مسرحية بين الحين والآخر، لكنها لا تزال تعتمد على موروث قديم دون تجديد حقيقي. وعلى الرغم من أن حضور المسرح العراقي في المهرجانات العربية والدولية مميز، فإنه بحاجة إلى مراجعة نقدية جريئة لدراسة إنتاجه المسرحي. ويشير إلى أن عزوف الجمهور عن المسرح ظاهرة عالمية بسبب تطور وسائل الترفيه الرقمية، لكن المسرح العراقي يعاني أيضًا من إهمال المسرحيين أنفسهم، حيث أصبحوا أكثر اهتمامًا بالمشاركات الخارجية والسفر، على حساب تطوير المسرح داخل العراق.
ويعتقد أن الجيل المسرحي الجديد يبحث عن نصوص فلسفية أو غرائبية للمشاركة في المهرجانات الخارجية، من دون الاهتمام بحركة المسرح داخل العراق أو الجمهور المحلي، وهو ما أدى إلى فقدان المسرح لتأثيره الجماهيري الحقيقي.
المجاملات والعلاقات الشخصية
أما المخرج بكر نايف، فيرى أن المسرح العراقي، مثل غيره من الفنون، مر بتحولات عديدة عبر العصور، لكنه يواجه اليوم تحديًا كبيرًا يتمثل في نفور الجمهور، وهو ما يعود إلى الظروف السياسية والاقتصادية وصراعات السلطة، حيث أصبح الفن والمسرح من الأمور الثانوية في أولويات الحكومة.
ويؤكد نايف "أن المسرح الجاد يمكن أن يكون جماهيريًا إذا تم استخدام اللغة البيضاء التي تقربه من عامة الناس"، مشيرًا إلى أن بعض العروض المتميزة وجدت صدى واسعًا حتى في المحافظات، رغم ضعف الدعم والترويج.
ويضيف نايف أن "الأوضاع الاقتصادية الصعبة تجعل الجمهور منشغلًا بلقمة العيش أكثر من اهتمامه بالفن والثقافة، وهو ما انعكس سلبًا على الإقبال المسرحي".
ويرى أن العراق ما زال من الدول الرائدة في الإنتاج الثقافي والمسرحي، حيث يقود عدد من الشباب العراقيين أهم المسارح الأوروبية، لكن العروض الجادة داخل العراق لا تزال تقتصر على المهرجانات، وهي قليلة جدًا، وغالبًا ما تُعرض دون دعاية كافية، وأحيانًا تكون مجانية، مما يقلل من قيمتها لدى الجمهور، في حين أن الفعاليات الموسيقية مثل السمفونية العراقية تحقق نجاحًا أكبر من خلال بيع التذاكر وتنظيم الفعاليات بشكل احترافي.
ويشير نايف إلى أن المسرح العراقي بحاجة إلى إنتاج حقيقي ومهرجانات ذات مستوى عالٍ واستقطاب خبرات جديدة، لكنه يؤكد أن أزمة الإنتاج ظلت تعيق المسرح العراقي عبر العقود. كما يرى أن المجاملات والعلاقات الشخصية تلعب دورًا في اختيار الأعمال التي تمثل العراق في المهرجانات، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة العروض، لكنه يعتقد أن العمل الجيد يفرض نفسه في النهاية، وأن النهوض بالمسرح العراقي يتطلب إنتاجًا حقيقيًا وليس مجرد تغيير في الأسماء.