بغداد : غفران مازن
تصوير : صباح الربيعي
في زوايا الأحياء والشوارع والجزرات الوسطية، حيث كانت أصوات الأطفال وضجيج الحياة اليومية تملأ الأجواء، حلت الآن المولدات الكهربائية التي دخلت حياتنا كضيف مؤقت في زمن الأزمات، لتستقر بيننا كجار ثقيل لا نستطيع الاستغناء عنه. لقد تجاوزت هذه الآلات فكرة كونها حلولا طارئة، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من البنى التحتية لقطاع الطاقة.
مع دخول موسم الصيف، يعود السؤال المحوري ليطرق باب كل أسرة: إلى متى سيستمر هذا العبء الثقيل؟
يقول أبو حسن، أحد سكان منطقة الزعفرانية: "المولدات الأهلية التي يفترض أن تكون حلاً مؤقتاً، تحولت إلى كابوس يومي يثقل كاهن المواطن. أسعار متصاعدة تصل إلى عشرات آلاف الدنانير شهرياً، مقابل خدمة متقطعة بالكاد تكفي لتشغيل الثلاجة والمروحة، بينما تظل أجهزة التبريد الأخرى حبيسة السكون في أكثر الأوقات حراً".
ويضيف "تتحول حياتنا في مواسم الصيف إلى سباق مع الزمن، جدول يومي محكم لتوزيع ساعات تشغيل الأجهزة الأساسية. حتى الأوقات التي يفترض أن تكون مخصصة للراحة، أصبحت رهناً بمزاجية أصحاب المولدات ومشكلة الوقود والأعطال المتكررة".
معاناة انقطاع التيار الكهربائي لا تقتصر على تعطيل سبل الراحة في المنازل، بل تمتد لتخنق مصادر رزق المواطنين، خاصة العاملين في القطاع الحر الذين يعتمدون على الكهرباء في تأمين لقمة عيشهم.
المواطن صلاح مهدي، أحد المتضررين، يروي معاناته: "عملي في القطاع الحر يجعل دخلي غير مستقر، فأحياناً أعمل وأحياناً أبقى بلا عمل. مع ارتفاع تكاليف المعيشة وتكاليف المولدات الأهلية، أصبحت فاتورة الكهرباء تأكل جزءاً كبيراً من مدخولي الشهري، فلا يتبقى سوى القليل لتغطية الإيجار والحاجات الأساسية".
ويضيف مهدي أن "معظم الحرفيين وأصحاب المهن الحرة يعتمدون بشكل كلي على الكهرباء لتشغيل معداتهم وأدوات عملهم. وعندما ينقطع التيار، لا خيار أمامنا إلا الاشتراك في المولدات الأهلية بأسعار باهظة، ما يزيد الأعباء المالية في وقت نحن بأمس الحاجة إلى توفير كل دينار".
هذه المعاناة ليست حكراً على مهدي وحده، بل هي واقع يومي للكثيرين ممن يعملون في مجالات مثل الحرف اليدوية، والمحال التجارية الصغيرة، حيث تلتهم فواتير المولدات جزءاً كبيراً من أرباحهم الهزيلة أصلاً. ففي حين أن الاشتراك في المولدة يضمن استمرارية العمل، إلا أنه يحوّل هوامش الربح الضئيلة إلى مجرد غطاء للتكاليف المتزايدة.
في الطرف الآخر من المعادلة، يقف أصحاب المولدات الأهلية أمام تحديات لا تقل صعوبة عن تلك التي يعانيها المشتركون. محمد مهدي صادق، أحد أصحاب المولدات، يسلط الضوء على هذه المعاناة: "نحن أول من يتحمل تبعات انقطاع التيار الوطني المتكرر، حيث تزداد الأحمال على معداتنا بشكل كبير، ما يؤدي إلى استهلاك وقود مفرط وتكاليف صيانة باهظة".
يوضح صادق أن "الحصة المخصصة من الدولة لا تكفي، ما يضطرنا لشراء الوقود من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، مضيفاً أن "الصيانة الدورية واستبدال القطع التالفة يستهلكان جزءاً كبيراً من أرباحنا".
ويقول: "الناس تعتبرنا مسؤولين عن انقطاع الخدمة رغم أننا ضحايا الأزمة مثلهم"، لكن صادق يرى حلاً ممكناً: "إذا اهتمت الدولة بضبط السوق وفرضت تسعيرة عادلة مع عقوبات رادعة للمخالفين، سيختفي الكثير من المشكلات. لكن الأهم هو حل أصل الأزمة بتحسين خدمة الكهرباء الوطنية".
وتعاني البلاد من فجوة كبيرة بين الإنتاج وحجم الاستهلاك الذي يزداد سنوياً تبعاً لتزايد الطلب على الطاقة بسبب النمو السكاني.
وبحسب تصريحات وزارة الكهرباء، فإنها حققت مستوى إنتاج وصل إلى ما يقارب 28 ألف ميغاواط، لأول مرة في تاريخ العراق.
إلا أن هذه الزيادة قابلها ارتفاع كبير في حجم الاستهلاك الذي تجاوز 42 ألف ميغاواط في موسم الذروة العام الماضي.
وتسعى الحكومة إلى إيجاد بدائل لتعزيز منظومة الكهرباء، باعتماد الطاقة النظيفة، ومنها الخلايا الشمسية ومشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، والتي دخلت الخطة مؤخراً بتنفيذ أول مشروع من نوعه جنوبي بغداد.
رئيس لجنة الطاقة في مجلس محافظة بغداد، صفاء المشهداني تحدث لـ"الصباح" عن وجود 18 ألف مولدة بين حكومية وأهلية تعمل في عموم مناطق العاصمة. وأشار المشهداني إلى أن توزيع الحصص الوقودية يغطي حالياً 13 ألف مولدة فقط، بينما لا تزال 5 آلاف مولدة خارج نظام التوزيع الرسمي.
وأوضح أن توزيع الحصص يخضع لتفاوت كبير بين المناطق، حيث تتراوح ساعات الانقطاع بين ساعتين فقط في بعض المناطق وصولاً إلى ثماني ساعات في مناطق أخرى، مشيراً إلى أن هذا التباين الكبير في الخدمة يؤدي إلى عدم استقرار في توفير الطاقة الكهربائية للمواطنين.
وفي ما يتعلق بتحسين الخدمة، أكد المشهداني وجود تحسن نسبي خلال شهر نيسان الحالي، مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من العام التي شهدت انقطاعات وصلت إلى 17-18 ساعة يومياً. لكنه حذر من احتمال تفاقم الأزمة خلال الأشهر المقبلة، ما دفع المجلس لتشكيل خلية أزمة لتأمين وقود المولدات.
وبشأن آليات الرقابة، أقر رئيس لجنة الطاقة بأن فعالية الرقابة الحالية لا تتجاوز 40% من المطلوب، ما يفتح الباب أمام بعض المخالفات مثل بيع الأمبير الواحد بـ20 ألف دينار من قبل بعض أصحاب المولدات الذين لم يحصلوا على حصص وقود رسمية.
وفي إطار الحلول المستقبلية، كشف المشهداني عن خطة لتنفيذ مشروع الطاقة الشمسية بالتعاون مع رئاسة الوزراء، والذي من المتوقع أن يبدأ تنفيذه خلال الأشهر المقبلة.