أن تسحق صخرة سيزيف بنيامين نتنياهو

آراء 2025/04/06
...

نبيه البرجي


 إلى متى يمكن أن يبقى الشرق الأوسط المنطقة الوحيدة في العالم، التي تتأرجح بين خط الزلازل وخط الحرائق ؟ السؤال سبق وطرحته على الكاتب والصحافي الفرنسي البارز جان دانيال، وهو يهودي. أجابني “ربما لأن الديانات هناك تحولت إلى ايديولوجيات. ولقد قلت ذلك لملك المغرب الحسن الثاني، لينصح أصدقاءه في المشرق العربي بأن يدعوا الحياة، لا الموت، تدق على الأبواب».

 دانيال الذي رفض بشدة مقولة “شعب الله المختار”، رأى أن وجود اسرائيل، بالأثقال الايديولوجية، يمكن أن يكون السبب في “انفجار الايديولوجيات المجنونة”، معتبراً أن المنطقة التي تعاني من الهشاشة، بسبب الترسبات القبلية والطائفية الضاربة، تعيش حالة من التيه، دون أن يغفل دور القوى العظمى في تصنيع، أو في إدارة، الصراعات التي أدت إلى الاستنزاف المروع لإمكانات المجتمعات وكذلك للأجيال الضائعة بين رقصة الدراويش ورقصة الروك اند رول.

 قبل الحرب الأخيرة بسنوات لاحظ دانيال أن ثمة هوة أخرى غير الهوة الاستراتيجية تفصل بين الدولة العبرية والدول العربية هي الهوة الأيديولوجية. إنه الصراع على حافة الغيب (وهذا ما كان قد لاحظه هنري كيسنجر)، الذي قد يكون الوجه الآخر للعدم. من هنا يظهر المأزق الوجودي لدى الإسرائيليين الذين يعتبرون أنهم مضوا بعيداً في التأويل الدموي للنص التوراتي. شلومو ساند، مؤلف “اختراع الشعب اليهودي” رأى أن ما تفعله إسرائيل في مجال الذكاء الاصطناعي، وحيث التقدم المذهل، قد يقلب التشكيل الايديولوجي والتاريخي للدولة رأساً على عقب.

 الآن، وفي ذروة الصخب العسكري، أسئلة حول ما اذا “كنا على وشك أن نفقد امكانية التفاعل مع جيراننا، ومع العالم”. ساند رأى في الكنيست نوعاً من اللوياجيرغا الأفغانية، كونسورتيوم القبائل. ماذا بعد نزول نتنياهو عن المسرح؟

 أكثر من ذلك ألا يعود يهوه هو “رب الجنود”. الآن دونالد ترامب يبدو كما لو أنه حلّ محل يهوه أو على الأقل محل ملوك التوراة في اقامة “إسرائيل الكبرى”. المؤرخة الأميركية آفيفا تشومسكي قالت “كما لو أنك تضع كيس الشعير على ظهر دجاجة”. هذا هو الشرق الأوسط الذي “أربك الأنبياء وأربك الأباطرة، بل وأربك الآلهة، كيف يمكن لذلك النوع من المجانين أن يجلسوا في مقصورة القيادة ؟».

 تشومسكي رأت أن الساسة الاسرائيليين لا يشاهدون سوى التفاعلات الايديولوجية، التي تظهر على سطح التاريخ لا التفاعلات الجيولوجية التي تحدث في قلب التاريخ. من هذه التفاعلات، تعاقب الأنبياء الواحد تلو الآخرفي محاولة احتواء الأعاصير التي تنتجها الأزمنة. الآن، الحاخامات والجنرالات والساسة في اسرائيل، وكلهم “عشاق الدم” يرون في أنفسهم أنبياء القرن.

 كلام حول “التصدع الدراماتيكي في اللاوعي العام”، وحيث يسأل المتظاهرون على وقع الطبول “الى أين تقودنا تلك الثيران ؟”. في عام 2000، وعشية الانسحاب من الجنوب اللبناني، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن رئيس الوزراء ايهود باراك قوله “لقد دقت ساعة الخروج من جهنم”. الآن يرى باراك الذي تتكدس على صدره أكبر كمية من الأوسمة، الدخول إلى غزة، بمثابة التزلج على الدم.

 لكن رؤساء الأركان لا يجدون فرصة أمامهم للبقاء في الضوء سوى البقاء في الخنادق، أو بين القبور، ما يحمل مدوّناً اسرائيلياً على سؤال رئيس الوزراء ما “اذا جيء بنا إلى هنا لإقامة دولة أم لإقامة مقبرة؟”. أما الفيلسوف اليهودي الفرنسي برنار ـ هنري ليفي الذي يتولى التسويق لـ”تورا بورا اليهودية” فيرى أن “العبقرية اليهودية تتجلى في ذلك التداخل العضوي بين الديناميكية الايديولوجية والديناميكية التكنولوجية”. في نظره أن هذه هي “القبة الحديدية”، التي تجعل اسرائيل (إمبراطورية يهوه) إمبراطورية متعددة الأبعاد، خلاف إمبراطوريات البعد الواحد (القوة)، والتي تؤول إلى الغروب.

 ناحوم بارنياع قال لنتنياهو “ التوراة حددت بدقة من هم أعداء اسرائيل الذين ينبغي القضاء عليهم. لم تأمرك بأن تقضي على أعدائك أنت بالذات ان كانوا في الكنيست أم كانوا في الشارع”. المؤرخ الإسرائيلي، والأستاذ في جامعة اكستر البريطانية، ايلان بابيه تحدث عن “المنطقة العبثية” في شخصية نتنياهو الذي قد “تسحقه أخيراً صخرة سيزيف”. لا يعرف ما اذا كان يرتدي شخصية الملك، تأثراً بملوك التوراة، أم شخصية الإمبراطور، كما الرؤساء الأميركيين، ولكن بالتأكيد، زوجته سارة هي من تنفخ النيران في رأسه، وتعتبر أن سقوط نتنياهو يعني سقوط اسرائيل، ما جعل يائير لابيد يعلق “اذا نجح، كديكتاتور، في تحويل “إمبراطورية يهوه” إلى “إمبراطورية نتنياهو”، لا بد أن نحزم حقائبنا ونغادر”.