إسرائيل ستستمر؟

آراء 2025/04/06
...

 د. أثير ناظم الجاسور

كنا ولا نزال أمام خطر يكمن في عمق المشكلات التي تعاني منها الجبهة المُستهدفة منذ العام 1947 ولغاية اليوم، هذه المشكلات لا تتشكل فقط بالخلل الذي اصاب النظام الرسمي العربي والقيادات، التي عدت زعامات عاشت على هامش البقاء، بقدر أننا نعيش أزمة ثقة شعبية عربية تولد جيلا بعد جيل من اعتقاد راسخ في كيفية تنصيب هذه الأنظمة وعملية ديمومتها مروراً بالإشكال الخطابي،

الذي تارة يكون سياسياً يستهدف هذا النظام وذاك من داخل الجسد العربي وتارة خطاباً هوياتياً مرعبا يمارسه وتتداوله اروقة السياسيين ورجال الدين، بالتالي نحن أمام مأزق لا بد من استيعاب تبعاته الخطيرة ليس على العرب فقط، بل على المنطقة برمتها.

وبعيداً عن التاريخ البعيد والقريب هناك ضرورة ملحة على الوقوف لما يحدث اليوم وقراءة سلوك واجراءات طرفي الصراع، الذين تحولت محركاته وفواعله الكيان الإسرائيلي ثابت في ممارساته وهمجيته وآلة حربه لا تزال تحصد الاروح والتمدد قائم لم يقف عند الأراضي الفلسطينية المغتصبة، لا بد يتمدد اليوم في سوريا سوريتهم الجديدة بنظامها القائم المُنشغل بالقتل على الهوية وتعزيز مكانته، يتمدد بصمت النظام الرسمي العربي الذي المتيقن إن ما يحدث واقع حال ولا بد للضعيف أن يسكت مهما كانت سلوكيات القوي، يتمدد طالما تعاني أمة بكل ما تحمله من مشتركات من انقسام جلهُ على هوية دينية ضيقه ( طرف يُكفر الاخر)، هذا الكيان ومن يدعمه درس وبعمق حال العرب حكومات وشعوب، وخرج بمحصلة القبول العربي بالموت التدريجي، فجلد الذات العربي تجاه ما يحصل من اعتداءات ومجازر صهيونية لم يكن وليد اليوم بل هو جاء بعد جهد كبير من تعزيز الانقسام الناتج عن تراكم الخيبات.

كلنا عرب وغير عرب نتحدث عن مشاريع الصهيونية العالمية ومساندة امريكا لهذه المشاريع والغرب الذي يحاول ان يكون جزءًا ايضا، لا شك في إن القراءة لهذا المشهد صحيحة وتأكدت بمرور الوقت لما يصب في مصلحة إنشاء إسرائيل الكبرى، لكننا ابتعدنا عن كيفية تنفيذ هذا المشروع، الذي ابتدأ مع الرد على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام الماضي، سنكون أمام سيناريوهات متعددة. 

فسياسة الأرض المحروقة من تدمير للمباني والمناطق والاحياء السكنية لم تكن نقطة رأس السطر بل تبعتها قتل لم يستثن فئة عمرية وتهجيرا طال الجميع ايضا، بالتالي نحن أمام سيناريو تقول أوراقه سيموت وتدمر منازل كل من يؤيد الحرب ضد الكيان، دون استثناء سواء مواطن عادي ام قيادي ولن يبقى سوى من يرفض الحرب أو يؤيد على أقل تقدير وجود الكيان الإسرائيلي. أما السيناريو الثاني وهو من ضمن المشروع جعل الشعوب تتعفن من الداخل بطمس الافكار والمعرفة والأهم قتل فكرة التعايش، فالسني لابد أن تخلص من الشيعي والعكس داخل الدين الواحد والمسيحي، لا بد أن يرفض المسلم كصراع ديني، وهذه القومية لا بد من أن تهمش القوميات الأخرى، كلها بدعوى الخطاب الهوياتي التفتيتي، بالتالي سنكون أمام شعوب مقسمة بلا مشتركات ولا ثقافة ولا وعي ولا معرفة.

والسيناريو الثالث هو تغيير خارطة المنطقة لما يتناسب وفكرة الدويلات الصغيرة، حتى وإن كانت تجمعها جغرافيا واحدة لا ضرر الأهم ان تكون الجماعات داخل هذه الحدود الجغرافية منقسمة على نفسها، بهذا الطريقة سيتم تمييز المؤيد من المعارض ابتداءً بالنخبة وانتهاءً بالمواطن العادي، بهذه الطريقة ستتم السيطرة سياسياً واقتصادياً ومن ثم عسكرياً. و السيناريو الرابع سيبحث في هدم الثقافة بمختلف أشكالها ولا بد ان تكون الدولة العربية وغير العربية منهكة من الداخل لا تقوى على الاستمرار دون أن يكون لها العون والضامن القوي، سواء من قبل القوة العظمى أو القوى الكبرى الاخرى، مما يساعد على جعلها دولاً أكثر استهلاكية مجترة لأدواتها، التي ستجعل شعوبها في القريب القادم رافضة لبقائها ومهادنة وحياتها مشروطة ومرهونة بالقرار العالمي.

بالمحصلة الكيان سيستمر بالقتل والتمدد دون توقف وقد يكون القادم على شاكلة ما نعيش اليوم أو يكون أكثر سوداوية لأننا (العرب)، نمتلك قدرة غريبة على فهم الواقع وقدرة اكبر على الاستجابة والتكيف لكننا في ذات الوقت لا قدرة لنا على الرفض والتغيير لقناعة تكونت في العقل العربي ولا يمكن تغييرها إلا اللهم يتم ذلك خلال جيل متمرد لا يقبل العيش في الماضي.