محمد غازي الأخرس
منذ أنْ تعرفت عليها، دائماً ما أنحاز للدراما السوريَّة، التي تقودك إلى أدق انفعالات البشر وتظهر لك أشدَّ سحناتهم الداخليَّة خفاءً. في رمضان هذا العام، وجدتني ذائباً بعمل المخرج الليث حجو الجديد، (البطل) الذي استلهمه من مسرحيَّة للراحل ممدوح عدوان بعنوان (زيارة الملكة)، وقام ببطولته عددٌ من أبرع الممثلين على رأسهم بسام كوسا.
العمل يحكي قصة مدير مدرسة اسمه يوسف عيد الصالح، الرجل النزيه المنذورة حياته لخدمة أبناء قريته الصغيرة التي صادف أنْ تكون في منطقة اشتباك أيام الفوضى السوريَّة.
ما أثارني في العمل كابوسيته وقتامة أجوائه بحيث تشعر معه بالاختناق، لا متعة أبداً، بل أجواءٌ مكفهرة، شتويَّة، يغلب عليها اللون الأصفر. فأبناء البلدة يقاسون أهوالاً رهيبة ويضطرون لاستقبال أبناء قرية مجاورة تهدمت بيوتها على رؤوس ساكنيها، يقرر صاحبنا المدير يوسف إيواء الهاربين في الطابق الأرضي بالإعداديَّة، واضعاً السلطات أمام الأمر الواقع. خلال الأحداث العاصفة التي تجري، تحترق المدرسة وينقذ يوسف أحد الطلبة في اللحظة الأخيرة، ويسقط هو على ظهره من سطح البناية ليصاب نصفه السفلي بالشلل. هنا يضعك المخرج أمام مفارقة مبكية، فالبطل الذي تضجُّ به البلاد وتنحني لشجاعته، يبدو معنوياً هكذا، بطلاً إلا أنَّه في الحقيقة إنسانٌ عاجز يتراكض الآخرون لإحضار "مبولة" له كي يقضي حاجته.
مقابل يوسف، ثمة بطلٌ آخر يولد في لحظة صدامٍ بين الموت والحياة، إنَّه فرج، المنبوذ اجتماعياً، ابن غاسلة الموتى، والمولود في السجن. يتحول الشاب إلى منقذٍ لقريته في ليلة عصف المفاهيم واختلاطها بين أنْ يكون المرء قاتلاً أو مقتولاً. الفرق بين البطلين أنَّ يوسف كان مثالاً للسلميَّة بينما أصبح فرج بطلاً في حربٍ لا يعرف فيها الحق من الباطل. الجميع ضحايا، الجميع على استعداد ليكونوا جلادين.
عملٌ عظيمٌ لا يمكن الإلمام به بمقالة عابرة كهذه.